مدونة بحور القراءات

مدونة تعنى بالقراءات القرآنية وفنونها

آخر المواضيع

الجمعة، 21 يونيو 2019

المد المتصل بين العراقي والهذلي وابن الجزري وأيمن والعبد الضعيف :




قال ابن الجزري رحمه الله :
 " فأما المتصل فاتفق أئمة الأداء من أهل العراق إلا القليل منهم.... على مدّه قدراً واحداً، مشبعاً........ حتى بالغ أبو القاسم الهذليّ في تقرير ذلك رادّاً على أبي نصر العراقي حيث ذكر تفاوت المراتب في مدّه، فقال ما نصّه: «وقد ذكر العراقيّ، أن الاختلاف في مدّ كلمة واحدة، كالاختلاف في مدّ كلمتين، قال: «ولم أسمع هذا لغيره ... فلم أجد أحداً يجعل مدّ الكلمة الواحدة كمدّ الكلمتين، إلا العراقيّ، بل فصلوا بينهما ...  ولـمّا وقف أبو شامة رحمه الله على كلام الهذليّ -رحمه الله-، ظنّ أنه يعني أن في المتصل قصراً، فقال في «شرحه»: ومنهم من أجرى فيه الخلاف المذكور في كلمتين، ثمّ نقل ذلك عن حكاية الهذلي، عن العراقيّ، وهذا شيء لم يقصده الهذلي، ولا ذكره العراقي ، وإنما ذكر العراقيُّ التفاوتَ في مدّه فقط." اهـ بنصه( 2/1004-1006)
علّق الدكتور أيمن سويد على هذه المسألة، بعد نقله كلام العراقي من كتابه البشارة :
 " فظاهر من النص السابق – يقصد نص الإشارة – أن العراقي يتكلم عن مجموعة من القراء يقرؤون" بما أنزل " وما كان مثله بالمد ، وأنهم يسوون بين المنفصل والمتصل في مقدار المد وأنهم يتفاضلون فيما بينهم على قدر مذاهبهم، فهو لم يتكلم عن من يقصر المنفصل، ولا ذكر أن القاصرين يسوون بين المنفصل والمتصل، وكلامه لا اعتراض عليه، فقول الهذلي: " وقد ذكر العراقي...كلمتين" غير دقيق، واضحٌ أنه قد فهم منه جواز قصر المتصل، لذلك قال :" لم أسمع هذا لغيره"
ثم قال – الدكتور أيمن حفظه الله - :
 " ولو كان قصد الهذلي من انتقاده لكلام العراقي أنه ذكر التفاوت في مراتب المتصل كما ادّعاه إمامنا الجزري فما الذي جعله يخصه بالذكر دون غيره من عشرات المصنفين في القراءات الذين نصوا على التفاوت في المتصل؟ اهـ ( 2/1005-1006).
قلت :
 كل هذا الكلام الطويل مبني على العبارة ( المنسوبة ) للإمام العراقي، وهي  :
" يمدون على قدر مذاهبهم، ولا يفرقون في المدين بين الكلمة الواحدة والكلمتين" اهـ
1-   الهذلي رحمه الله فهم أن الاختلاف في المد المتصل مثل الاختلاف في المنفصل.
2-   أبو شامة رحمه الله فهم من كلام الهذلي أن المد المتصل يجوز قصره.
3-   ابن الجزري رحمه ردّ على أبي شامة أن فهمه جواز القصر في المتصل ليس هو مراد الهذلي، وأن العراقي لم يذكره، وإنما ذكر – العراقيُّ – التفاوت في المد فقط.
فابن الجزري رحمه الله لم يفهم من كلام العراقي أن في المد المتصل قصراً أصلاً، بل صرّح أن كلام العراقي هو في تفاوت المد؛ ومعلوم أن تفاوت المد المتصل يبدأ من التوسط إلى الإشباع مع ما بينهما ، والله أعلم.
 لكن الدكتور أيمن سويد حفظه الله؛ لم يرَ أن فهم ابن الجزري لقصد انتقاد الهذلي للعراقي هو بسبب ذكره التفاوت في المتصل، صحيحاً، بل هو ادعاء منه ، وذلك قوله حفظه الله :
" ولو كان قصد الهذلي من انتقاده لكلام العراقي أنه ذكر التفاوت في مراتب القصر كما ادعاه إمامنا الجزري.."اهـ بنصه.
فيجاب عن هذا :
 واضح من النص في كتاب النشر؛ أن ابن الجزري رحمه الله لما نفى فهمَ أبي شامة جواز القصر، وأنه غير مراد الهذلي، كان مصيباً، والحق معه، لأن الهذلي جاء بكلام العراقي للرد على بطلانه لا على تقريره، فأبو شامة فهم أن الهذلي يقرر القصر في المد المتصل كما المنفصل، فلهذا قال له ابن الجزري : الهذلي لا يقصد هذا؛ بدليل أن العراقي لم يذكره.
ما هو قصد الهذلي إذن من انتقاده لكلام العراقي؟ ففضيلته لم يوضح لنا ذلك .
وما الفرق بين كلام الإمام ابن الجزري رحمه الله، وبين عبارة الدكتور :" فقول الهذلي: " وقد ذكر العراقي...كلمتين" غير دقيق، واضحٌ أنه قد فهم منه جواز قصر المتصل؟
ألم يتفق الدكتور مع ابن الجزري في كون الهذلي قصد انتقاد العراقي بسبب ذكره للمتصل تفاوتاً؟
فالدكتور نقل نص كلام العراقي ووضح المراد منه، لكنه لم ينفِ أن الهذلي فهم منه التفاوت، بل أثبته بكل صراحة وهو قوله :" واضح منه..." ولم يعقب على هذا " الواضح " بشيء مما يدل على أن فهمه له هو نفس فهم ابن الجزري الذي وصفه فضيلته أو أخبر عنه بأنه " ادعاء " !
هذا ما فهمته من عبارة الدكتور حفظه الله، واعذروني إن كان فهمي لكلامه غير صحيح.
رأيي الخاص في المسألة :
 هذا من المواضع الدقيقة في النشر، فبالرجوع إلى كلام العراقي لا نجد فيه " صراحة " تجويزه لقصر المتصل، كما قال عنه الهذلي رحمه الله.
وعندي رأي خاص لم أجد من اهتم بالنشر ذكره أو عرّج عليه، وهو رأي بنيته على أساس علمي صحيح، كنتُ كتبتُه نعليقاً على هذا الموضع قبل ( 21) سنة، أعرضه هنا على القراء الكرام، فإن كان صواباً فالحمد لله، وإن كان غير ذلك فلا حرمني الله أجر القول فيه.
قلت قديماً عند قول ابن الجزري:
 " حتى بالغ أبو القاسم الهذليّ في تقرير ذلك رادّاً على أبي نصر العراقي" اهـ
قلت:
" كذا ذكر المؤلّف هنا، وفي «غايته» ردَّ الهذلي على العراقي، وحكايته عن نفسِه -المؤلف- أنه لم يجد ما ذكر عن العراقي، إذ قال في ترجمة العراقي: «... وهو الذي حكى عنه الهذلي؛ أن الاختلاف في مدّ المتصل كالاختلاف في المنفصل، وأنكر ذلك عليه….قال: وأخذ أبو شامة ذلك بالتسليم فحكى فيه الخلاف وقلده غيره وتوسط الناس في ذلك، حتى وقفت أنا على كلام العراقيّ في المدّ، فلم أجده حكى سوى اختلاف المراتب ولم يحك القصر ألبتة، وهذا؛ فهو بالنسبة للعراقيين غريب؛ لأنهم قاطبة لم يرووا في المتصل سوى المدّ مرتبة واحدة، كالمدّ اللازم عندنا، فليعلم ذلك، فهو موضح» بنصه.
  أقول:
إن صح أن المراد بالعراقي هو منصور بن أحمد، فيحتمل أنه ذكر ذلك في كتابه الآخر «علل القراءات» فهو مظنة لذلك، والله أعلم.        
ويحتمل عند البحث أن الهذلي يقصد الردّ على شيخه أبي عليّ المالكي صاحب «الروضة»، لا شيخه أبا نصر، لوجوه:    
أ- إن الهذلي قال: (العراقي) فقط، ولم يذكر اسماً أو كنية، وقد تكرّر هذا معه في «الكامل» كثيراً؛ فكلمة ( أبي نصر ) هي من كلام ابن الجزري رحمه الله، لا من كلام الهذلي في هذا الموضع، والله أعلم .
ب- إن أبا عليّ المالكيّ رحمه الله، صرّح بالاختلاف أو الخلاف في ‹المتصل› فقال: وقد ذهب غير أصحابنا في هذا النوع -المتصل- أنه مختلف في مدّه وقصره. اﻫ
         ج- أن العراقي -كما صرح المؤلّف- لم يذكر سوى الاختلاف في المراتب، ويبعد -حسب رأي البحث- أن تخون دلائلُ ألفاظه فَهْم الهذلي، وهو المطّلع الممارس للكتب والعلماء، حتى قال عنه ابن ماكولا: كان يدرس علم النحو، ويفهم الكلام. اﻫ      
د- أن وصف الهذلي لصاحب هذا القول ﺑ : العراقي، ربما يكون من باب التدليس احتراماً لشيخه، فهو بغدادي، ونهاية الأمر، عراقي.
         ﻫ - نسب الصفراوي ترك زيادة المدّ المتصل وأنه يعامل كالمنفصل إلى ‹المالكي› في «روضته».
قال الصفراوي رحمه الله :
" روى المالكي ترك زيادة المد في الكلمة الواحدة إذا كان فيها حرف مد ولين، وكان بعد الحرف همزة، ويسمى ذلك المد المتصل نحو: شاء – السماء- النسيئ- جاؤوا، وشبه ذلك، فيكون المد على هذه الرواية مداً لا يتوصل إلى النطق إلا به من غير زيادة عليه، وهي رواية شاذة بخلاف رواية الجماعة، وقد نبه المالكي على شذوذها في الروضة...قال المالكي: والذي أعول عليه تمكين المد في هذا الباب" اهـ بنصه من كتاب: التقريب والبيان للصفراوي.
و-  قال ابن الجندي رحمه الله: " وفي الروضة : الاختلاف في المتصل كهو في المنفصل، وليس بمرضي، وكل من نقله ضعفه" اهـ ( البستان: 1/ 212)
ز- لو فسرت كلمة (أسمع) على الحقيقة، لا المجاز، فإنها لا تنطبق إلا على المالكي، أما العراقي فلا. والله أعلم. انظر: غاية النهاية: 2/311-312، الروضة للمالكي: 1/335، التقريب والبيان: 1/72.
هذا الذي عندي في هذه المسألة، وألخص الكلام فيها كالتالي:
1-   الإمام الهذلي نقل عن " العراقي " – ولم يصرح باسمه -  أنه ذكر تفاوتاً في المد المتصل.
2-   أبو شامة فهم منه جواز قصر المتصل.
3-   الإمام العراقي لم يصرح بذلك في كتابه الإشارة.
4-    ابن الجزري قال إن الهذلي لا يقصد ما فهمه منه أبو شامة.
5-   الدكتور أيمن حفظه الله اتهم ابن الجزري في قوله إن الهذلي لم يقصد في نقده العراقي أنه بسبب ذكره لتفاوت المتصل.
6-   الدكتور أيمن نفسه استوضح من كلام الهذلي نفس ما قاله ابن الجزري، إلا أن الدكتور زاد عبارة:" قول الهذلي غير دقيق" !
7-   العبد الضعيف الجكني يرى أن المقصود من  وصف " العراقي " في كلام الهذلي هو الإمام أبو علي المالكي صاحب الروضة وشيخ الهذلي، فهو الذي ذكر تفاوتاُ في المتصل.
8-   الهذلي دلّس اسم شيخه المالكي ، وعبّر عنه بالعراقي احتراماً وتبجيلاً لشيخه.
9-   إن كان العراقي المذكور هو أبو نصر فربما يكون ذكر ذلك في كتابه الآخر" علل القراءات" أما في كتابه البشارة" فلم يقف عليه أحد فيه ، والله أعلم.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Powered By Blogger

Translate

التصنيفات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *