هاء السكت ليعقوب : من كتاب" مجمع القراءة للغزنوي":

قال مؤلفه رحمه الله:

 الفصل الحادي عشر: في ذكر " هاء الاستراحة " عند الوقف على مذهب يعقوب الحضرمي رحمة الله عليه:

 أخبرني بها الشيخ الإمام الهمام الزاهد، المفسر، شيخ الاسلام، سديد الدين، سيد القراء في العالمين، بقية المشايخ، أبو نصر محمد بن يوسف بن أحمد الفتحا بادي، أعلى الله قدره، قال:

 أحمد ربي الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في المُلك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيراً، أمّا بعد :

 فإن بعض إخواني، حفظنا الله وإياهم من مصائب الزمان، وصروف الحدثان، سألوني أن أشرح لهم مذهب أبي محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي، إمام أهل البصرة بعد أبي عمرو بن العلاء ، رحمهما الله، في إثبات هاءات الاستراحة عند الوقف على جميع المبنيات، وفي النونات المشدّدات، وعلى النونات التي تقع في التثنية والجمع، في الأسماء والأفعال اللازمة، وأوَضحُ ما تُثبتً الهاء فيه، وأدعُ ما لا تثبته، حسب الطاقة، على غاية الاختصار والإيجاز؛ ليسهل عليهم إدراكها وحفظها، فاستخرت الله تعالى وأجبتهم إليها، وجمعتها لهم، احتراماً وتكرّماً، نفعنا الله به مع أهل القرآن بمنّه وكرمه وفضله.

قال رضي الله عنه:

 كان يعقوب الحضرميّ رحمه الله يُثبتُ يثبت " هاء الاستراحة " عند الوقف في الأسماء المعربة، والأسماء المبنية، والأفعال، والحروف، باختلاف الروايات عنه:

 فأمّا رواية رَوحٍ عنه:

  فإنه يثبت الهاء في: النون المشددة، والأسماء المبنية، نحو:" فامتحنوهنّ " " بإيمانهنّ"  " ولا هم يحلون لهنّ " ، وما أشبهها، وأمّا المبنيات فكقوله تعالى:" فنعمّا هي" " وأن يمل هوه" وإيايه" " وإيّاكه"  " ونراكه" " وعمَّه" " و " لمه" و " فيمه" و" أنّه" و" إينه" و " ...." وما أشبه ذلك، ولا يثبتها في الأسماء المعربة، والأفعال ألبتة.

وأمّا رواية زيد عنه:

فإنه يزيد عليه الأسماء المعربة ، نحو قوله تعالى:" الضالينه" " المتقينه" المفلحونه" ، وما أشبه ذلك.

 وأمّا رويس عن يعقوب:

فإنه يزيد إثباتها في الأفعال اللازمة، كقوله:" يؤمنونه" و " يوقنونه" و " يعمهونه"، ونحو ذلك في جميع القرآن، ولا يثبتها في الأفعال المتعدية؛ وإن كان إثباتها جائز في العربية؛ لئلا تلتبس بهاء الكناية؛ التي هي ضمير المفعول، كقوله تعالى " ينفقون "  " يعلمون " " يعقلون" ، وما شاكل ذلك.

 وبعدُ: فاعلم أن رويساً أثبت الهاء في الفعل المتعدّي؛ إذا كان المفعول مقدَّماً على الفعل، بشرط أن يكون الفعل لا يتعدّى إلا إلى مفعول واحد، نحو قوله :" إياه تعبدون" " أفغير دين الله يبغون"  " وأنفسهم يظلمون" " للرؤيا تعبرون" واللام فيه زائدة، يقال: عبرتُ الرؤيا أعبُرها عبارة؛أي: فسرتها.

 وكذلك إذا بُني الفعل المضارع للمفعول به، كان الفعل متعدياً إلى مفعول واحدٍ؛ فإنه يثبت الهاء فيه أيضاً، كقوله عز وجلّ:" ولا هم ينصرون " " وأنّى يؤفكون " " وإليه تحشرون" ونحو ذلك.

 وإن كان الفعل يتعدّى إلى مفعولين فإنه لا يثبت الهاء، نو قوله تعالى :" يكذبون"، وإن كان بُبي الفعل المضارع للمفعول به، وكان الفعل متعدياً إلى مفعولين؛ فإنه لا يثبت الهاء، نحو قوله تعالى " يرزقون" .

  ويثبت الهاء بعد الألف في الندبة وغيرها، نحو :" يا أسفاه" و " يا حسرتاه " و " يا ويلتاه".

 ومن الأفعال أفعالٌ تستعمل مرة لازمة، وأخرى متعدية، تقول: شكرت لفلان وشكرته، ونصحت له ونصحته، واهتديتُ إلى السبيل، واهتديت السبيل، وقد يجوز فيه الوجهان، تركها وإثباتها، وسأبينها في موضعها إن شاء الله.

 ولا يثبت الهاء في الأسماء المعربةِ، والأفعال اللازمة؛ إلا بعد النون؛ لأنه لم يروِ أحدٌ من الأئمة عن يعقوب أنه يثبت الهاء في الأسماء المعربة، والأفعال اللازمة، اللتين تعرّتا من النون، نحو " للظالم" و " الجاعل" و " الفاسق " و " كفر " " يكفر"و " لم يذهبوا" و " لم تؤمنوا" وما أشيه ذلك.

 ويثبت الهاء في هذه الأسماء والأفعال اللازمة بعد النون، نحو " ظالمونه" و " إنا لجاعلونه" و " فاسقونه" و" يكفرونه" و" تؤمنونه".

 ومن الحروف التي وُقِف عليها بالهاء ، نحو " إنه"  و " أينه "  و " ثم " و " ليت " إن وجد بغير ياء، وهي في سورة الزخرف " يا ليت بيني وبينك " وسأذكرها على ترتيب السور في موضعها ، سورة بعد سورة إن شاء الله تعالى.