مدونة بحور القراءات

مدونة تعنى بالقراءات القرآنية وفنونها

آخر المواضيع

الجمعة، 21 يونيو 2019

هل كتاب " غرائب القراءات " لابن مهران، هو الكتاب الذي حقق؟ أم هو غيره؟


بسم الله الرحمن الرحيم
 قبل سنتين تقريباً، أهدى إليّ فضيلة الدكتور محمود كابر، حفظه الله، نسخة خطية من كتاب " غرائب القراءات" لابن مهران، رحمه الله .
 وحقيقة اطلعت عليها أول ما وصلتني، وتصفحتها ، ولكن ما إن انتهيت من قراءة ألواح سورة البقرة، حتى داخلني الشكّ في نسبة الكتاب لابن مهران رحمه الله.
ثم لم أعد للمخطوط ثانية، على أمل الرجوع إليه إن وجدتُ متسعاً من الوقت، أو طرأ في الموضوع ما يلزم الرجوع إليه.
 وقبل أسبوعين من الآن تقريباً، أهدى إليّ أحد الإخوة الكرام وهو الشيخ حسن باسل حفظه الله، نسختين من الكتاب محققتين؛ إحداهما في مكة المكرمة، والأخرى في بغداد ، على نفس النسخة الخطية التي عندي.
 فحمدت الله تعالى أن حقق الكتاب، وأخذني الفضول العلمي، لمعرفة ما توصل إليه المحققان الكريمان، حفظهما الله، وقلت في نفسي: لعل شكّي ليس في محله.
 لكن فوجئت بالتالي:
1-     محقق الكتاب في جامعة مكة المكرمة يقول في مبحث " نسبة الكتاب إلى مؤلفه : " لا شكّ عندي في نسبة هذا الكتاب ( غرائب القراءات ) للإمام أبي بكر ابن مهران" اهـ  ثم ذكر أددلته على ذلك، وستأتي مناقشتها إن شاء الله.
2-     محقق الكتاب في بغداد يقول: " وبعد دراستي للكتاب – داخلياً وخارجياً – ترجح في ظني أن مؤلف الكتاب هو الأستاذ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران" اهـ  ثم ذكر أدلته على ترجيح ظنه هذا، وسيأتي النقاش لهذه الأدلة.
فهذان المحققان الفاضلان، المعتنيان بالكتاب ودراسته، لم يتفقا على " توثيق نسبة الكتاب لابن مهران؛ فأحدهما " متيقن بلا شك " أنه له، والآخر " يترجح في ظنه أنه له" !
أما العبد الضعيف ، كاتب هذه الحروف؛ فيرى أن هذا الكتاب المحقق في النفس شيء من نسبته لابن مهران، وهو ما سأذكر بيانه في الأيام القادمة إن شاء الله، بعد الانتهاء من تتميم المقال، والتأكد من الأدلة ، إن شاء الله، مع اليقين بأن لابن مهران كتاباً بعنوان " غرائب القراءات".
فأقول والله الموفق:
أولاً : تحقيق عنوان الكتاب:
  اتفق الباحثان على مضمون الكلام عند هذه الجزئية من أن عنوان الكتاب هو : " غرائب القراءات وما جاء فيها من اختلاف الرواية عن الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين " واستدلا بما في مقدمة المخطوط :" غرائب القراءات وما جاء فيها .....".
 لكنّ الباحثين هنا اختلفا في الكلام على الإشكال الواقع في غلاف المخطوط ، من أن عنوانه هو ( الشواذ في علم القراءة )، فقال الباحث العراقي:
 " أما ما جاء في صفحة عنوان المخطوط من أن اسم الكتاب( الشواذ في علم القراءة ) فمع كون ذلك العنوان كتب بخط مغاير لما كتب به المخطوط، ولعله أحدث منه، أقول: يحتمل أن الكتاب اشتهر باسمين ( غرائب القراءات) الشواذ في علم القراءة ) ومر بنا ما نقله ابن هشام ( قول ابن مهران في كتاب الشواذ في علم القراءة ) فاختار أحد نساخ الكتاب عنوان ( الشواذ في علم القراءة) كونه أدل على موضوع الكتاب من عنوان( غرائب القراءات) لشيوع مصطلح ( الشواذ ) أكثر من ( الغرائب)" اهـ.
أما الباحث المكي؛ فلم يشر ألبتة إلى العنوان الموجود على الغلاف، بل اكتفى في الرد على كلام ابن هشام رحمه الله، وهو يتفق فيه مع ما قرره الباحث العراقي .
والآن  نحن أمام عنوانين للكتاب:
الأول: مصرّح به في مقدمة مؤلفه بالكامل وهو (غرائب القراءات وما جاء فيها من اختلاف الرواية عن الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين " ، وجاء مختصراً في ختام المخطوط هكذا ( غرائب القرآن)؛ لكنهما صححاها بما يريانه صواباً عندهما وهو ( القراءات) بدل ( القرآن ).
الثاني: موجود على غلاف المخطوط – وإنْ بخط مغاير، هكذا ( الشواذ في علم القراءة) لكنّ أحد الباحثين أشار إلى ذلك، وأجاب عنه، وهذا شيء يحمد عليه، للأمانة العلمية، وأحد الباحثين لم يتعرض إليه ، فلعله وقع منه سهواً، وهذا الظن به حفظه الله.
 والعجب ، أن هذا العنوان الذي لم يرضيا به عنواناً للكتاب؛ جعلاه من الأدلة القوية على نسبة الكتاب لابن مهران، بحجة احتمالية التصحيف من النساخ، أو بحجة اختصار الاسم ، مع أن الذي ذكره بهذا الاسم هو إمام من كبار الأئمة وهو ابن هشام.
وهنا أقول:
 الإمام ابن هشام رحمه الله ليس أول من ذكر هذا النصّ ونسبه لابن مهران في " الشواذ" ، بل سبقه الإمام الكرماني في كتابه " غرائب التفسير" ونقل نفس النص المنقول عند ابن هشام، وقال:" قال ابن مهران في الشواذ...ألخ" ، ونقل نفس الكلام الإمام النيسابوري في تفسيره " غرائب القرآن" ، فلعل النيسابوري وابن هشام اعتمدا على الكرماني في هذا، والله أعلم.
وعليه :
 فيكون النص المنقول في هذا المخطوط، يحتمل أن يكون نقلاً من كتاب " ابن مهران"  بدليلٍ وهو :
 أن في المخطوط بعد أن نقل تفسير أبي حاتم ، قال:
" وقال غير أبي حاتم: " : يجوز ذلك في كلام العرب على أن ....الخ" اهـ
بعد أن عرفنا أن لهذا المخطوط عدة عناوين، وهي  :
1-     غرائب القراءات. وهذا هو عنوان كتاب ابن مهران الذي ذكره له بعض من ترجم له كياقوت الحموي.
2-     غرائب القراءات وما جاء فيها من اختلاف الرواية عن الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين : وهو العنوان الموجود في مقدمة المؤلف.
3-     غرائب القرآن. وهو الموجود في خاتمة المخطوط، ويغلب على الظن أنه تصحيف وتحريف.
4-     الشواذ  : وهو الذي ذكره الكرماني والنيسابوري.
5-     الشواذ في علم القراءة: وهو الذي ذكره ابن هشام : وهو الذي ذكره الكرماني والنيسابوري.
يحق للباحث أن يتساءل : هل هذا المخطوط هو عينه " عرائب القراءات " لابن مهران ؟
ولما لم يتطرق الباحثان أو أحدهما في هذه الجزئية بأكثر من ذلك شغلتني هذه الأسئلة :
6-      هل هذا العنوان الطويل هو من صنعة مؤلفه ابن مهران؟ أم أن ابن مهران سمّاه " غرائب القراءات " فقط، كما عند ياقوت وغيره؟
 هذا، وقد أرسل لي بعض الإخوة الكرام " مقالاً " لأحد الباحثين الفضلاء، ذكر فيه – حسب رأيه الكريم – دليلين على صحة نسبة الكتاب لابن مهران، وهما:
الأول: النقل الذي نقله الكرماني ، وقال: " قال ابن مهران في الشواذ".
الثاني: نقل الكرماني أيضاً تفسير ابن مهران لكلمة " روحنّا " أنها لجبريل عليه السلام.
 وهذا دليلان قد ذكرتهما سابقاً، وبينت أنهما ليسا دليلين بعيدين عن الاحتمال؛ فضلاً عن أن يكونا دليلين لصحة النسبة.
 وقد رجعت إلى ما كنتُ رفعتُ عنه القلم ، ولخصته لعرضه هنا؛ لبيان أنه لا يزال في النفس شيء من نسبته لابن مهران رحمه الله ، وذلك للأمور التالية :
1-     العنوان في الغلاف، وبخط مغاير،( الشواذ في علم القراءة) مدعاة للشك، والقول بأنه من باب المجاز والاتساع، لا دليل عليه، والله أعلم.
2-     العنوان داخل الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجم لابن مهران رحمه الله، وما ذكره له تلميذه الإمام الحاكم رحمه الله هو ( غرائب القراءات ) فقط، ونقله عنه كل من جاء بعده، بهذا الاسم فقط.
3-     النص الموجود في هذا المخطوط، وهوالذي نقله الكرماني وابن هشام من كتاب" الشواذ " لابن مهران، ليس دليلاً في محل النزاع، لأن السياق يحتمل أنه صاحب المخطوط نقله أيضاً من الشواذ، وسياق عبارته يدل على ذلك بدليل قوله : " وقال غيره"، فلو كان القائل هو ابن مهران لقال: " قلتُ " ، والله أعلم.
النقد الداخلي للكتاب:
    أولاً : العجب الشديد أن يكون العنوان الخارجي للكتاب، واسم مؤلف الكتاب: أن يكون كل ذلك هو من باب " التصحيف " و " التحريف" ، فالذي في المخطوط:
 " قال أحمد بن عبد الله المغازلي: سمعت أبا بكر بن محمد المقرئ يقول في تصنيفه هذا الكتاب " اهـ  جاء صنيع المحققين الفاضلين كالتالي:
·       الباحث العراقي حفظه الله جعل النص في المتن هكذا : " سمعت أبا بكر بن الحسين " اهـ  فغيّر الكنية واسم الأب ، وعلّق في الحاشية بقوله: " في المخطوط ( محمد ) وقد ترجح في ظني أنه تحريف" اهـ !!
·       الباحث المكي حفظه الله ترك النص كما هو في المتن، لكن علّق عليه بقوله : " كذا في الأصل والظاهر أنه تصحف من ( حسين ) !
    ثانياً : في المخطوط نقلٌ لا يصح أن يكون عن ابن مهران نفسه؛ بل هو من شخص غيره، كالتالي:
1-     عند قوله تعالى : " لم يتسنّ " جاء في المخطوط :" حدثنا أبو بكر البخاري حدثنا محمد بن الحسن، حدثني الحسن بن حماد الأزرق، قال : حدثنا يحي بن الحكم، قال: حدثنا يعقوب، قال : حدثنا يحي بن واضح، قال : حدثنا: ضماد بن عامر عن يزيد بن هرمز..الخ، وهنا على هذا السند ملحوظات:
أ‌-      ترجم لمحمد بن الحسن المذكور على أنه " النقاش" رحمه الله".
ب‌-    ترجم للحسن بن حماد الأزرق على أنه " الحسين بن علي بن حماد" ، مع أن الباحث العراقي " كتب: الحسين بن علي بن حماد" والموجود في المخطوط: " الحسن بن حماد"!
ت‌-    الباحثان لم يعرفا " يحيي بن الحكم".
ث‌-    الباحثان سكتا عن " يعقوب" وصنيعهما هذا يفهم منه أنه عندهما هو " يعقوب الحضرمي القارئ".
قلت:
 أولاً: إذا كان " محمد بن الحسن" هو " النقاش" :
1-     فمن يكون تلميذه الناقل عنه " أبو بكر البخاري" ؟
2-     ومن يكون القائل: " حدثنا" يعني : من يكون تلميذ " أبو بكر البخاري" ؟
فلا شك أن في هذا الإسناد إشكالاً ؛ فإذا كان المذكور في السند هو " النقاش" فعلاً ؛ فكيف يكون شيخ شيخ ابن مهران، والمعروف أنه شيخ لابن مهران بدون واسطة؟ وكيف يكون النقاش شيخاً لأبي بكر البخاري؟
وإذا كان " أبو بكر البخاري" هو شيخ ابن مهران، فكيف يكون تلميذاً للنقاش، ولا يوجد أي سند في كتب ابن مهران أنه ينقل عن النقاش بواسطة شيخه أبي بكر البخاري؟
خلاصة الإشكال:
 أن هذا الإسناد غير معروف في كتب ابن مهران، فأبو بكر البخاري، والنقاش، كل منهما شيخ لابن مهران، ولا يمكنني تفسير السند بهذا الشكل ، إلا باحتمال أن في النسخة تدخلاً، أو أن المؤلف ليس هو ابن مهران، وهو ما تميل إليه النفس، والله أعلم.
ثالثاً : لم يذكر أحد من المترجمين أن لابن مهران تأليفاً في القراءات السبع؛ وهذا ليس دليلاً مهماً، إذ كثير من الكتب لم تذكر لمؤلفيها، لكن في مسألتنا هنا:
كيف يكون لابن مهران كتاب في " السبعة " ولا يحيل عليه أبداً، فهو إما أنه ألفه قبل " الغاية " و " المبسوط" أو قبل أحدهما، او بعدهما، وعادة ابن مهران الإحالة على كتبه، فهو لم يُحِل فيه، كما لم يُحِل عليه!
 ضف إلى ذلك، أنه حتى ذكره هنا ، جاء في " الحاشية" وبعبارة: " وقد ذكرنا مذاهب الأئمة السبعة في الكتاب المتقدم " اهـ ، فما هو عنوان هذا الكتاب المتقدم يا ترى ؟
وأيضاً : لم ينقل أحد من القراء – حسب الكتب التي وصلتنا وهي أمهات علم القراءات ولله الحمد - من زمن ابن مهران إلى زمن ابن الجزري نقلاً واحداً عن " السبعة " لابن مهران؛ حتى أبو شامة والجعبري، وهما من المهتمين بعلم ابن مهران، لم ينقلا عنه، أفيعقل أن له " السبعة " ولا يعلم به أهل القراءات، على أقل تقدير أهل زمنه!؟
رابعاً:  الناظر في هذا الكتاب؛ سيدرك أن مؤلفه ليس من المختصين في القراءات، وإن كان ممن قرأها، فصنيعه في ذكر قراءتي أبي جعفر ويعقوب، ضمن " غرائب القراءات" دليل على هذا، وأنه يرى أن هاتين القراءتين ، ليستا كبقية " السبعة" وهذا يخالف ما هو معروف عند ابن مهران رحمه الله.
خامساً : في هذا الكتاب نقلٌ عن أبي الفضل، عند كلمة ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) وكلمة : ( إن تأمنه ) :
 أما المحقق المكيّ فقد ترجم له على أنه " أبو الفضل الرازي، وأما المحقق العراقيّ فلم يترجم له .
وسؤالي: كيف يكون المراد هو أبو الفضل الرازي وهو ولد سنة ( 377هـ ) وابن مهران توفي سنة ( 381هـ ) ؟ :
ففي أي سنّ من عمره ألّف أبو الفضل هذا الكتاب الذي ينقل عنه ابن مهران؟ ولو فرضنا أن ابن مهران اطلع عليه في سنة وفاته فسيكون نقل عن فتى عمره ( 9-10) سنوات ، وهو في سن ( 86 ) من عمره!
سادساً : في قراءة " صراطٌ عليّ مستقيم" قال: ...وعن قيس بن عباد " صراط عليٌّ" وقال: رفيع،...وقال: وذُكر عن يعقوب" اهـ  فهل مثل ابن مهران يقول عن هذه القراءة " " وذكر " !؟
ملحوظة: ترتيب القراء في هذه القراءة هكذا: مجاهد وابن سيرين والنخعي وقتادة " وهو نفسه ترتيب " المبسوط " مما يؤكد أن صاحب هذا الكتاب ليس هو ابن مهران؛ بل هو شخص آخر ينقل عنه، وإلا ما فائدة ذكر يعقوب بصيغة التمريض؟
سابعاً : في الكتاب " طعنٌ " في الإمام الحلواني رحمه الله، واتهام له ، حيث قال عنه : " فإنه حريص على مخالفة الأمة، وذكره لا يرويه أحد " اهـ
وهذا الطعن في الحلواني رحمه الله، لم أقرأه في أي كتاب غير هذا الكتاب، وإني أستبعد أن يكون صاحبه هو ابن مهران رحمه الله :
 هل يُعقل أن يعتمد ابن مهران على روايات الحلواني في كتابيه " الغاية " و " المبسوط" وهما في القراءات المعتمدة عند ابن مهران وغيره من الأئمة، ثم يأتي في كتاب " لغرائب القراءات" ويطعن في رواية الحلواني، بل ويقول عنه: " فإنه حريص على مخالفة الأمة، وذكره لا يرويه أحد " اهـ!!!
 ولو كان هذا الطعن جاء في حق ابن مجاهد رحمه الله، لقبل منه ولتقوّى عندي أن يكون كاتبه ابن مهران؛ لأن ابن مهران له " مواقف " مع ابن مجاهد رحمه الله، و " غمزات " في حقه، مذكورة في كتابه" المبسوط" ونقل عنه بعضها الكرماني في شرحه " للغاية " .
أقول:
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يُبحث فيه هذا الموضوع؛ ويخرج لنا من يؤكد نسبة الكتاب لابن مهران؛ إما بنسخة جديدة، وإما بأدلة غير قابلة للطعن، والله على كل شيء قدير.
والله تعالى أعلم وأحكم.




يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Powered By Blogger

Translate

التصنيفات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *