مدونة بحور القراءات

مدونة تعنى بالقراءات القرآنية وفنونها

آخر المواضيع

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

إمالة " آتيك " لحمزة: وليس تقليلها


بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن الجزري رحمه الله:
 " وأما ( أنا ءاتيك ) فأماله في الموضعين خلف في اختياره، وعن حمزة، واختُلف عن خلاد فيهما أيضا ، فروى الإمالة ... وابن غلبون في تذكرته وأبوه في إرشاده "اهـ
علّق الدكتور أيمن تعليقاً طويلاً بقوله:
" الذي في التذكرة هو ( إشمام الإمالة)؛ يعني التقليل وليس الإمالة المحضة ونصه: آتيك: قرأهما حمزة بالإمالة إشماماً، وفتحها الباقون" اهـ
قال – أيمن - : وكذلك الذي في الإرشاد، وقال في الاستكمال: حمزة وحده بالإمالة فيهما إشماماً، الباقون بالفتح" اهـ
ثم ختم تعليقه بقوله: " المقصودُ بقوله ( إشماماً ) الإمالةُ الصغرى) اهـ ( 3/1690-1691 حاشية رقم( 3 و 4 ).
قال العبد الضعيف :
ظهر من هذين التعليقين أن تفسيرَ عبارة ابني غلبون  " الإمالة إشماماً " هو من فَهْم الدكتور لها، وليس من تفسيرهما لها.
 وهنا وقفات مهمة:
الأولى : راجعت كل الكتب الأصول والأمهات في علم القراءات التي عندي ، ولم أرَ واحداً منها قال بأن لحمزة في " آتيك " التقليل ، ولا الإمالة الصغرى، أبداً، وهذه الكتب هي:
1-   المنتهى للخزاعي.
2-   الكامل للهذلي.
3-   الغاية لابن مهران.
4-   المبسوط لابن مهران.
5-   الإرشاد لأبي العز.
6-   الكفاية لأبي العز.
7-   المصباح لأبي الكرم.
8-   المبهج لسبط الخياط.
9-   الجامع للروذباري.
10-                   الروضة للمالكي.
11-                   الروضة للمعدّل.
12-                   التبصرة لمكي.
13-                   الهادي لابن سفيان.
14-                   التجريد لابن الفحام.
15-                   الجامع للفارسي.
16-                   الجامع للخياط.
17-                   المستنير لابن سوار.
18-                   الإيضاح للأندرابي.
19-                   بستان الهداة لابن الجندي.
20-                   العنوان للأنصاري.
21-                   الاختيار لسبط الخياط.
22-                   الكنز للواسطي.( مع ملاحظة أنه في باب الإمالة قال:( حمزة عن خلاد بالإمالة)اهـ وفي سورة النمل ذكر الإمالة لخلف واستثنى خلاداً، مما يؤكد أن العبارة في باب الإمالة تصحيف وصوابها- والله أعلم- ( حمزة ( غير ) خلاد، وليس حمزة ( عن ) والله أعلم.
23-                   شروح الشاطبية الموجودة  عندي كلها؛ السخاوي، والمنتجب، وابن سكن، وأبي شامة، والسمين الحلبي، والجعبري، والسيوطي، والعيني.
فهذه ( 29 ) تسعة وعشرون كتاباً، كلُّها نصّت على " الإمالة الكبرى" لحمزة، فكيف تُلغى رواية هؤلاء، ويقال إنّ القراءة لحمزة هي بالتقليل.!
الثانية:
 الذي جعل الدكتور أيمن يقول ذلك – والله أعلم – هو عبارة " الإمالة إشماماً " وهي عبارة صريحة - عنده - فيما ذهب إليه؛ لكنها عند التحقيق يتضح أنها ليست كذلك عند أول من قال بها – حسب علمي – وهو الإمام ابن مجاهد رحمه الله، كما سيأتي بعد قليل ، وبيان ذلك :
أولاً: أقْدمُ نصّ وقفتُ عليه ذكر هذه العبارة؛ أعني " الإمالة إشماماً " لحمزة هو ابن مجاهد رحمه الله، حيث قال:
" أمال حَمْزَة وَحده ( أنا ءاتيك بِهِ ) أَشمّ الْهمزَة شَيْئاً من الكسر من غير إشباع وَلم يملها غَيره" اهـ ( السبعة: 482).
ثم جاء بعده بعضُ الأئمة ونقلوا هذه العبارة إمّا نصّاً، وإما معنىً، ومنهم ابنا غلبون رحمهما الله، ومن جاء بعدهما كابن بلّيمة وصاحب كتاب" المفيد" المنسوب للحضرمي رحمهما الله.
وعبّر الإمام الأهوازي رحمه الله ، عن ذلك بقوله:" إمالة لطيفة " في كتابه" الوجيز" – وتبعه فيما يظهر – الإمام أبو معشر  الطبري رحمه الله، في " تلخيصه"-  وأما في كتابه – الأهوازي - الآخر" الموجز" فعبّر بالإمالة مطلقاً، إلا أن محققه رحمه الله كتب عبارة ( إمالة لطيفة ) وجعلها بين قوسين مما يدل على أنها ليست من صلبه، ولعله رحمه الله زادها من كتاب" الوجيز" وهذا فيه ما فيه، والله أعلم.
وقال الداني:
" أنا ءاتيك به في الموضعين في النمل: أمال فتحة الهمزة والألف بعدها فيهما حمزة في رواية خلف وأبي عمر ورجاء وأبي هشام وابن سعدان عن سليم عنه، وكذلك روى أبو عثمان الضرير عن أبي عمر عن الكسائي فيما حدّثني الفارسي عن أبي طاهر عنه، وأخلص الباقون فتح الهمزة والألف فيهما، وكذلك روى سليمان «3» الضبّي أداء عن رجاله عن حمزة.
وحدّثنا محمد بن أحمد قال: حدّثنا ابن مجاهد قال: أمال حمزة أنا ءاتيك به: أشمّ الهمزة شيئا من الكسر ولم يملها غيره "  ولم يميّز  ابن مجاهد رحمه الله الروايات عن سليم عن حمزة.
 وقد قرأت في رواية خلاد على ابن غلبون  بإشمام الإمالة،  والفتح هو الصحيح عنه، وهو الذي نصّ عليه الحلواني وغيره عنه، وكذلك روى سليمان «7» الضبّي عن رجاله عن حمزة. اهـ ( جامع البيان: 2/ 744) ط الشارقة.
الثالثة:
وأما قول الدكتور: " أسند مكي قراءة حمزة من روايتيه عن أبي الطيب وقال:" قرأ حمزة" أنا آتيك" في الموضعين بإمالة الهمزة، وكذلك قرأت على أبي الطيب، والذي عليه النصوص أن خلفاً وحده أماله وعن خلاد فيه اختلاف" اهـ
أقول – أيمن- :
  الظاهر أنه سقطت من التبصرة كلمة ( إشماماً ) بعد ذكره الإمالة في هذا الحرف، ولا أدري إن كان ذلك من مكي أو من النساخ، والمفروض إثباتها حتى يتفق قول مكي:" كذلك قرأت على الشيخ أبي الطيب مع نص الإرشاد المتقدم" اهـ
قال العبد الضعيف عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه والمسلمين:
 هذا الذ قال عنه الدكتور أنه " الظاهر" فيه نظر؛ بل هو خطأ لا يصح؛ لأن فيه إلغاء لقراءة صرّح بها مكّي نفسه أنه قرأ بها على شيخه؛ إذ لا يلزم أن يكون ابن غلبون أقرأ مكيّاً بما في كتابه " الإرشاد" فقد يكون أقرأه بالإمالة قبل أو بعد تأليفه للكتاب؛ خاصة أن مكياً – حسب اطلاعي القاصر – لم يصرّح باسم كتاب " الإرشاد " لشيخه ابن غلبون.
فاستظهار سقوط كلمة " إشماماً" منه إنما هو لنصرة رأي واجتهاد من قائله، في الشاهد ما يدل على بطلانه، وذلك بالأمور التالية:
1-   مكيّ نفسه، حيث قال في كتابه الكشف: " ومن ذلك ما تفرد بإمالته حمزة من ( أنا آتيك " أمال الألف ، وأمال الهمزة لكسرة التاء في الموضعين ليعمل اللسان عملاً واحداً في المتسفل، وقد روي عن خلاد الفتح فيه" اهـ فانظر إلى عبارته" أمال الألف" وعبارته " ليعمل اللسان عملاً واحداً؛ فلو كانت إمالة الهمزة إشماماً لما كان عمل اللسان فيها وفي الألف واحداً.
2-   الإمام ابن سفيان، وهو مثل مكيّ ، قرأ على أبي الطيّب وأسند عنه هذه القراءة، ومع هذا قال: " وأمال خلف عن حمزة الهمزة في الموضعين، وفتحهما خلاد، وبعض القراء يأخذ لخلاد بالإمالة" اهـ ( الهادي: 184 ).
3-   الإمام أبو بكر محمد ابن أبي القاسم الحمزي، تلميذ أبي الطيّب، وأسند عنه القراءات السبعة في كتابه، حيث قال: " وتفرد حمزة بإمالة آتيك في النمل " اهـ ( المجزي في القراءات السبع).
فانظر أخي الكريم:
هؤلاء ثلاثة أئمة ضابطون، تتلمذوا مباشرة على أبي الطيّب ، وأسندوا عنه قراءة حمزة في كتبهم، كلهم صرحوا ب" الإمالة " من قراءتهم عليه، ولم يقل أحد منهم كلمة " إشماماً " :
هبْ أنها سقطت من مكي في التبصرة؛ فهل سقطت على ابن سفيان والحمزي أيضاً !!
الرابعة:
 قال ابن الجزري:
" وأطلق الإمالة لحمزة بكماله ابن مجاهد" اهـ
علّق الدكتور أيمن بقوله:
" ولكنه – ابن مجاهد- ذكر أنها إمالة صغرى، ونصّه:" أمال حمزة وحده( آتيك) أشمّ الهمزة شيئاً من الكسر من غير إشباع" اهـ
قال العبد الضعيف:
 انظر – أيها المنصف الكريم- إلى هذا التحريف لكلام هذا الإمام ،فبالله عليك أين ذكر ابن مجاهد أن لحمزة الإمالة الصغرى!
 ابن مجاهد بريء من هذا التقوّل عليه، فليست الإمالة الصغرى عن حمزة في هذا الحرف إلا في فهم من قالها، وإلا فابن مجاهد بعيدٌ كل البعد عن نسبة التقليل لحمزة بما لم يروه عنه.
والدليل على بطلان القول إن ابن مجاهد يرى التقليل لحمزة؛ هو كلام ابن مجاهد نفسه، حيث قال:
 " " وأمال حَمْزَة {مِنْهُم تقاة} إشماما من غير مُبَالغَة" اهـ
فهذا نصٌّ واضح صريح من ابن مجاهد أنه يستعمل مصطلح" الإشمام " مع  " الإمالة " ويريد به الإمالة الكبرى، لا الصغرى؛ بدليل أنه لم ينقل أيُّ أحد أن لحمزة التقليل في " منهم تقاة"، ومنهم ابنا غلبون والداني؛ إذ كلهم صرحوا بالإمالة الكبرى.
وإن قال قائل: ما المانع أن يكون مراد ابن مجاهد هنا " التقليل "؟
فيقال له: المانع له هو قول ابن مجاهد نفسه في نهاية الترجمة :" ... غير أن نافعاً كانت قراءته بين الفتح والكسر" اهـ( 203-204)
 فهل بعد هذا يحق لأحد أن يقول : إن " الإمالة إشماماً عند ابن مجاهد هي التقليل، أو هي الإمالة الصغرى؟!
وأيضاُ فقد استعمل الداني مصطلح " الإشمام " في باب الإمالة، ويقصد به – والله أعلم – الإمالة الكبرى، ومن ذلك قوله:
 " وقال الأصبهاني عن ورش:" بلى: بإشمام الإضجاع؟ اهـ وقد بيّنه ابن الجزري بقوله في النشر:" وانفرد بإمالته أيضاً أبو الفرج النهرواني عن الأصبهاني عن ورش فخالف سائر الرواة عنه" اهـ وهذا نصّ صريح منه رحمه الله؛ إذ إنّ " التقليل " في ( بلى) ليس انفرادة عن ورش.
وقال الداني أيضاً:" ...عن أبي عمر عن إسماعيل عن نافع ( فتلقى آدم ) بإشمام الكسر قليلاً"اهـ
وقد بيّن ابن سوار في " المستنير" أن الدوري عن إسماعيل عن نافع :" إمالة جميع ما أمله حمزة إمالة لطيفة مثل الهدى " اهـ ويدخل فيه ( فتلقى والله أعلم. ( المستنير: 1/525) والله أعلم
 ضف إلى ذلك: أن أكبر شرّاح كلام ابن مجاهد، أعني الإمام أبا عليّ الفارسيّ رحمه الله، وكل من جاء بعده ممن له عناية بابن مجاهد، كمكي والداني وغيرهما لم يفسّر أحدٌ منهم عبارته بأ المراد بها" التقليل " وكفي بهذا دليلاً على براءته من القول بأنه " ذكر أنها إمالة صغرى" !
 ومما يؤكد هذا قول الإمام الهذلي رحمه الله:
 " وأمّا مراتبها في اللغات والطباع؛ فهي :
1-             إمالة مضجعة.
2-             وإلى الكسر أقرب.
3-             ومعتدلة بالسوية بين الفتح والكسر.
4-             وبين بين، وهو ما كان إلى الفتح أقرب. اهـ ( الكامل).
وكذلك بيّن الداني مراتب الفتح والإمالة في كتابه الجامع( 2/700 ط الشارقة).
الخامسة:
 قال ابن الجزري رحمه الله:
" وكذلك في التيسير وقال إنه يأخذ بالفتح" اهـ
علّق الدكتور أيمن تعليقاً طويلاً، بيّنتُ بطلانه فيما سبق قبل قليل، ثم ختمه بقوله:
" الخلاصة: الذي أُراه – والله أعلم – أن يؤخذ من طريق التيسير لخلف بالإمالة إشماماً وهي التقليل في ( آتيك ) وبالفتح لخلاد وجهاً واحداً على ما تقدّم بيانه، وما قيل عن التيسير يقال عن الشاطبية، فطريقهما واحدة والله أعلم" اهـ ( 3/1692-1693)!
انظر أخي القارئ المحقق المدقق إلى خطورة الاجتهاد الصُّحُفيّ، وإلى ما يؤدّيه ( عدم ) إنزال نصوص العلماء منزلتها، وانظر إلى الحكم قبل الاستقراء، ودراسة مناهج المؤلفين!
أما:
1-   هذا الذي رءاه الدكتور فحسب علمي القاصر لم يقل به أحد قبله ، وها هي كتب الأئمة الموثوق بروايتهم ودرايتهم منذ سنة ( 300هـ) إلى سنة( 1440هـ ) لا يوجد كتاب منها قال :" إن لخلف – في الطرق المقروءة التي وصلتنا بالتواتر – التقليلَ في ( آتيك ) !
وإني لأعجب من الدكتور حفظه الله، وهو يقرر هذا : ألم يقف مع نفسه أو قلمه قليلاً وهو يقرّر هذا التقرير، الذي خرج به عن إجماع أهل الرواية والدراية!؟
ألم يقف قليلاً ليتّهم قلمه بالتسرع، ويزن عبارته التي خرج بها حتى عن شيوخه الذين قال إنه قرأ عليهم ، وأسند عنهم القراءات!
هل وجد الدكتور كتاباً واحداً صرّح بالتقليل لخلف!؟ والدكتور حسب ما أخبرني هو نفسه أن لديه جلّ مخطوطات القراءات، غير ما هو مفقود!
 وهل رأى الدكتور أحداً من أهل التحريرات قال بأن لخلف التقليل!؟
2-   أما قوله " ما قيل عن التيسير يقال عن الشاطبية فطريقهما واحدة" : المنصف يعلم أن هذا الكلام فيه ما فيه، وأقلّ ما فيه أنه إلغاء لما قرأ به إماما النقل والرواية والدراية ؛ أعني الداني والشاطبي وإلزامهما بفهم الدكتور الذي ليس هو من أهل الرواية أصالة.
الخلاصة:
1-    تسعة وعشرون كتاباً ليس فيه التقليل.
2-   -                    ثلاثة من تلاميذ ابن غلبون صرحوا بالإمالة
3-                    عبارة ابن مجاهد واستخدامه الإمالة إشماماً.
4-                     تقسيم الهذلي والداني للإمالة
5-               مخالفة الدكتور لكل أهل الرواية والدراية.

والله تعالى أعلم.
السالم الجكني
المدينة المنورة
الإثنين:23/6/1441هـ




























يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Powered By Blogger

Translate

التصنيفات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *