بسم
الله الرحمن الرحيم
قال الإمام ابن الجزري رحمه الله: " (
أذهبتم طيّباتكم): ..... الباقون بهمزتين على الاستفهام، وهم ...وابن عامر... وهم
على أصولهم المذكورة من التسهيل والتحقيق والفصل وعدمه؛ إلا أن الداجوني عن هشام
من طريق النهرواني يسهّل الثانية ولا يفصل، والمفسّر يحقق ويفصل" اهـ ( 1/366
) طبعة الشيخ الضباع رحمه الله.
لكن:
قال الشيخ المتولي رحمه الله: " ......
وسكت في النشر عن وجه الفصل مع التسهيل للداجوني، وذكره الأزميري" اهـ (
الروض النضير: 551) تحقيق الدكتور: خالد حسن أبو الجود.
قال العبد الضعيف:
الذي
يظهر – والله أعلم – أن " النشر ل" م يسكت عن وجه الفصل مع التسهيل
للداجوني، وبيان ذلك:
عبارة
ابن الجزري رحمه الله " وهم على أصولهم" إنما هي إحالة على كلامه السابق
في ذكره لأهل التحقيق والتسهيل والفصل وعدمه.
رجعنا إلى كلامه في بيان أهل التسهيل
والتحقيق فوجدناه يقول:
" وأمّا هشام :
1- فروى عنه الحلواني من طريق ابن
عبدان؛ تسهيلها ‹بين بين›.
2- وقال: ...... تحقيقها، وكذلك روى
الداجونيّ، من ( مشهور طرقه ) عن أصحابه"
اهـ . مع ملاحظة عبارته:
" من مشهور طرقه " اهـ التي مفهومها : أن ( غير ) مشهور طرقه يسهّل.
فهذا منه ، رحمه الله بيان لطرق " هشام
" من حيث التسهيل والتحقيق.
ثم قال في بيان طرقه من حيث الفصل وعدمه:
" وفَصَل
بين الهمزتين بألف ..... واختلف عن هشام.....
وروى الداجوني عن أصحابه عنه بغير فصل.
" اهـ
ومعلوم أن ( النهرواني) و ( المفسر ) داخلان
تحت قوله ( الداجوني)؛ لأنهما عنه من طريق ( زيد )؛ لكن لمّا كان مذهبهما مختلفاً
عن بقية طرق " زيد " استثناهما هنا بقوله" إلا أن الداجوني عن هشام
من طريق النهرواني يسهل الثانية ولا يفصل، والمفسر يحقق ويفصل" اهـ ولو لم
يستثنهما لكان مذهبهما هو " عدم الفصل لهما"؛ وهذا ليس كذلك للمفسر.
وخلاصة
الكلام المراد قوله في هذه المسألة:
ابن الجزري رحمه الله لم يسكت عن ذكر "
التسهيل مع الفصل" كما قال الشيخ المتولي رحمه الله، بل هو مذكور، داخل تحت
قوله رحمه الله:" وهم على أصولهم" وتحت قوله رحمه الله: " وكذلك
روى الداجونيّ، من مشهور طرقه عن أصحابه"
وبيان ذلك :
1-
قوله رحمه الله: " مشهور طرقه": مفهومه أن ( غير )
مشهور طرقه، له التسهيل. وبالرجوع
إلى الكتب التي استقى منها طرق النهرواني عن زيد عن الداجوني وهي: الجامع للخياط،
المستنير، التجريد، ومن قراءة ابن الفحام أيضاً على الفارسي، والكفاية الكبرى،
وغاية أبي العلاء، والروضة للمالكي
وللمعدل: وجدت أن كل هذه الكتب فيها للداجوني : التسهيل مع الفصل، ويستثنى
منها:
أ- الجامع للفارسي( مع أن ابن الجزري لم
يصرح أنه من طرقه، وإنما ذكره ضمن قراءة ابن الفحام عليه من كتاب التجريد) فإن فيه
لهشام: التسهيل مع عدم الفصل.
ب-
المستنير، فإن فيه التحقيق في الهمزتين للمفسر مع الفصل،
والتسهيل للنهرواني مع عدم الفصل.
فاتضح من مفهوم قوله: " مشهور
طرقه- أي بالتحقيق- " أن التسهيل مذكور، كما اتضح من قوله:" على أصولهم
..في الفصل وعدمه" أن الفصل مذكور؛ بدليل وجوده في كل الطرق التي اختارها ما
عدا المصباح ( وهو من طريق الحمامي عن الداجوني) والمستنير وهو عن ( المفسر).
لكن يظهر – والله أعلم – أن الشيخ
المتولي رحمه الله لم " يحرر " المسألة؛ بل اكتفى بنقل الأزميري رحمه
الله.
وأما قول الشيخ رحمه الله:"
وذكره الإزميري " اهـ فيقال فيه: إن الإزميري لم يذكره استدراكاً على ابن
الجزري كما ( قد ) يفهم بعض أهل التحريرات المعاصرين؛ بل ما ذكره إلا تبعاً لذكر
ابن الجزري له؛ وعليه فالتحرير والتوضيح هو لابن الجزري لا للأزميري، رحمهما الله
تعالى.والله أعلم.
بقيت نقطتان:
الأولى : قول ابن الجزري رحمه الله :
" الداجوني – بالتحقيق – من مشهور طرقه" :
ذكرت قبل قليل أن الكتب التي ذكرها ابن الجزري
رحمه الله في " أسانيد" طرق الداجوني، كلها نصت على " التسهيل مع الفصل" للداجوني، غير "
المصباح" و " المستنير"، وعليه :
كيف يكون (8 ) من مجموع ( 10 ) كتب فيها حكم " التسهيل " ثم يُطلق
ابن الجزري على وجه التحقيق الذي هو في ( 2 ) منها بأنه هو " مشهور طرق
الداجوني" ؟
فالجواب الذي اتضح لي، بعد تأمل – والله أعلم –
هو أن ابن الجزري رحمه الله في عبارته هذه " مشهور طرقه" اتبع فيها
مصطلح " المحدّثين " وهو أن " المشهور" عندهم هو ما نزل عن
درجة التواتر، وأن لا يقلّ رواته عن ثلاثة، وهذه الصورة ( شبه ) موجودة في مسألتنا
هذه، حيث إنّ وجه " تحقيق الهمزتين " للداجوني؛ لم يأتِ إلا من طريق
" المصباح" فإنه قال: " الداجوني عن هشام عنه- ابن عامر- ..بهمزتين
محققتين على الاستفهام" ( 4/144).
والعجب: أن طريق الكفاية الكبرى ( وهو
من طرق الداجوني في النشر) هو نفسه طريق " الإرشاد" ( لكن الارشاد ليس
من طرق النشر هنا) ومكان العجب: أن في الارشاد فيه لهشام التحقيق كالمصباح.
الثاني:
اتضح لي أن قول ابن الجزري رحمه الله:
" إلا أن الداجوني عن هشام من طريق النهرواني يسهل الثانية ولا يفصل، والمفسر
يحقق ويفصل" اهـ إنما يقصد به مذهب " كتاب المستنير " فقط لا غير؛
والسبب في هذا:
أنه الكتاب الوحيد الذي استقى منه ابن
الجزري طريق النهرواني والمفسر، وأما بقية الكتب ففيها النهرواني فقط، بينما المفسّر
لا يوجد إلا في المستنير؛ فذكرهما معاً دليل قوي على هذا، والله أعلم.
وخلاصة المراد :
1-
النشر لم يسكت عن " التسهيل مع الفصل".
2-
عبارة " مشهور طرقه": المقصود منها هو باعتبار مصطلح
المحدّثين لا المصطلح اللغوي المتبادر.
3-
عبارة" إلا أن الداجوني عن هشام من طريق النهرواني يسهل
الثانية ولا يفصل، والمفسر يحقق ويفصل" اهـ لا تنطبق إلا من طريق"
المستنير" فهو الجامع بين النهرواني والمفسر.
4-
لم أجد في الكتب التي لديّ من ذكر التحقيق في الهمزتين
للداجوني عن هشام غير المصباح، وهو من طرق النشر، والإرشاد لأبي العز وهو ليس من
طرقه.
والله أعلم.


