" وفحوى كلام أبي علي الحسن بن بليمة في تلخيصه تعطيه" اهـ
علّق الدكتور أيمن سويد بقوله:
" تلخيص العبارات لابن بليمة ما هو إلا تلخيص للتذكرة لابن غلبون، وقد ذكر مذاهب القراء الثمانية( السبعة ويعقوب) في المنفصل والمتصل وتفاوتهم في ذلك، ثم أتبعه بقوله:" فصل : واعلم أنه لا خلاف بينهم في مدّ اللف والواو مداً واحداً وسطاً إذا وليهما من بعدهما حرف مشدد، فأما الألف فقوله:" ولا الضالين " ..."اهـ
قال – الدكتور - : فلخّص ابن بليمة كلام ابن غلبون في المنفصل والمتصل ثم أتبعه بقوله:" وكذلك أيضاً يمدون هذه الألف إذا جاء بعدها حرف مشدد ساكن نحو.. ولا الضابين.."اهـ
وقال – الدكتور أيمن-: مما جعل الواقف على كلام ابن بليمة يتوهم من قوله:" وكذلك أيضاً يمدون هذه الألف" أنه يرى تقاوت المراتب في المد اللازم كتفاوتها في المتصل، وكل ما في الأمر أنه عدم دقة في التلخيص، والله أعلم" اهـ بنصه. ( تحقيقه 2/1017ح1).
قال العبد الضعيف:
انظر – أيها المنصف – إلى هذا التعليق، الذي لا دليل عند صاحبه وقائله غير " شبهة " أن " تلخيص " ابن بليمة" إنما هو تلخيص لكتاب" التذكرة" لابن غلبون!
وهذه " الشبهة" عند الدكتور، ليست جديدة عليه، بل هو مقتنع بها قديماً، وصرّح بها في تحقيقه لكتاب التذكرة لابن غلبون، حيث قال:" ويبدو أن تأثير كتاب التذكرة واضحاً في كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات" في القراءات السبع للإمام أبي علي بن بليمة، بل أستطيع القول : إن كتاب تلخيص العبارات ما هو في الحقيقة إلا تلخيص كتاب التذكرة ، وذلك بحذف الأسانيد وحذف قراءة يعقوب، وبعض الروايات الأخرى عن القراء السبع .."اهـ ( التذكرة: ( قسم الدراسة:1/134) .
وأقول:
ليست المناقشة في هذا المقال مع هذه الشبهة، ولا مع هذا الجزم بأن " التلخيص" هو " تلخيص" للتذكرة! فالعبد الضعيف لا ينكر أن كتاب ابن بليمة هو " تلخيص "؛ فمؤلفه نفسه سمّاه بهذا؛ لكن لا نسلّم أنه " تلخيص" لكتاب التذكرة فقط، وليس هذا محل بحث هذه الجزئية.
نعم هناك نصوص كثيرة، متشابهة في عبارات الكتابين – كما قال الدكتور- ولكن – أيضاً – بينهما اختلاف في بعض المسائل العلمية، ولنضرب مثالاً على ذلك، ثم ندخل في صميم المقال:
استخدم الإمام ابن غلبون في باب ترقيق الراءات لورش، مصطلح " بين اللفظين" ولم يستخدم لفظ " الترقيق "، وهذا يعرفه جيداً الدكتور أيمن؛ لأنه جعلها من المسائل التي " لاحظها" على ابن غلبون ، وناقشه فيها، وذلك من ( ص 112- 130) .
ولو رجع الدكتور لكتاب " تلخيص ابن بليمة؛ لوجد أن أول عبارة له في الباب هي:" تفرد ورش بترقيق الراء.." ولوجد أيضاً قوله:" وعنه – ورش – في الراء إذا جاء بعدها عين وألف نحو ( ذراعاً ) ....فالترقيق طردٌ لأصله.." ولوجد أيضاً:" وأما المكسورة فهو يرققها في وصله ووقفه" اهـ إلى غير ذلك.
وقصدي هنا: بيان أن وجود عبارات كثيرة متفقة في الكتابين - حتى في باب الراءات قد عبّر ابن بليمة فيها بمصطلح ( بين اللفظين)- لا تعني أن " التلخيص" صورة مختصرة ل" التذكرة" بل تعني أن ابن بليمة قد اختصر عبارة ابن غلبون فيما اتفقت فيه روايته معه، وخالفه فيما اختلفت روايته عنه، وهذا صنيع العلماء المؤلفين قديماً وحديثاً؛ وما عمل الشاطبي مع " التيسير " ببعيد عنا.
بعد هذا أقول:
إنّ عبارة ابن بليمة رحمه الله، صريحة في القول باختلاف المراتب في المد اللازم، يفهم ذلك من له أدنى معرفة بدلائل اللفاظ، والدكتور أيمن من أهل اللغة أصالةً، وشهاداته العلمية فيها؛ لكن لما كانت شبهة تلخيص " التلخيص " من " التذكرة " طاغية عليه، ربما كانت هي السبب في استعجاله بالحكم، وكتابته ما كتب، وبيان ذلك:
1- ابن غلبون ذكر الاختلاف في المنفصل والمتصل، ثم عقّب عليه بالكلام عن المد البدل، ثم أتبعه بالكلام على المد اللازم وذكر أنه لا خلاف في مده.( التذكرة:1/107-110)
أما ابن بليمة فذكر اختلاف المراتب في المد المتصل، ثم قال:
" وكذلك أيضاً يمدّون هذه الألف إذا جاء بعدها حرف مشدد ساكن نحو" يوادّون .."الخ.
فقوله:" كذلك يمدون أيضاً " نص صريح منه أنه يقصد الاختلاف في المراتب، وإلا فما معنى هذه الأمور الثلاثة :
1- " كاف" التشبيه؟
2- وما معنى اسم الإشارة " ذا" !؟
3- وما معنى كلمة " أيضاً " !؟
هذه ثلاثة أمور كل واحدة لها معنى في اللغة؛ ولا يمكن لمن يكتب باللغة العربية أن يكتبها ولا يعنيها .
ولو كان ابن بليمة موافقاً لابن غلبون في عدم الأخذ بالتفاوت لما قال هذه العبارة، بل كان الصواب أن يقول:" ويمدّون هذه الألف".
ومعلوم أن التشبيه في عبارة ابن بليمة هو في موضوع " التفاوت والاختلاف" لا في موضوع الاتفاق في المد.
كما معلومٌ أن كلمة " أيضاً " لها دلالتها في اللغة، وهي تعني العود إلى مثل الذي تقدم من الكلام، حتى قال بعض أهل اللغة إنها " لا تأْتِي إلا مَعَ أمْرين بينهما توافق" .
فكيف بعد كل هذا أن يتهم مَن فهم هذا الأسلوب اللغوي الذي كتبه ابن بليمة على قواعد اللغة العربية الصحيحة أنه " يتوهم التفاوت!!" ، بل ويقال عن كاتبه وهو إمام من أئمة القراءات أنه لخّص كلام غيره؛ بل وإن في تلخيصه عدمَ دقّة!
هذا، ولو سلمنا للدكتور أيمن فهمه وتعليقه؛ بأن ابن بليمة إنما " لخّص " كلام ابن غلبون تلخيصاً غير دقيق، فإنه ينتج الآتي:
1- أن ابن بليمة لا ينسب إليه التفاوت في المد اللازم،؛ وهذا لا يُسلّم لأنه مخالف لصريح عبارته ، ولهذا قال ابن الجزري رحمه الله :" وفحوى كلام ابن بليمة".
2- القول بأن ابن بليمة لا يقول بالتفاوت مبني على مسألة ظنية في فهم كاتبها، ويكفي أن لا أحدٌ من الأئمة فهمها قبله، بل فهموا عكسها.
3- ابن بليمة رحمه الله، عنده في النشر طرق كثيرة ليست من طريق ابن غلبون، فمحاولة ربط " مروياته" كلها بابن غلبون، هو تعدٍّ عليه وعلى شيوخه، بل وتعدٍّ على ابن الجزري أيضاً.
والخلاصة:
أن نفي كلام ابن بليمة - الدال على اختلاف المراتب في المد اللازم - بدعوى أنه " تلخيص" غير دقيق لكلام ابن غلبون، يؤدي إلى نفي مسألة علمية دوّنها ابن بليمة في كتابه، الذي قرأ به وأقرأه لغيره، واستمر اللإقراء به وبمضمنه قروناً كثيرة، حتى جاء ابن الجزري واستقى منه ما استقى من الطرق والروايات.
والله تعالى أعلم.


