مدونة بحور القراءات

مدونة تعنى بالقراءات القرآنية وفنونها

آخر المواضيع

الخميس، 2 نوفمبر 2023

7:32 ص

عزو ابن الجزري صحيح

عزو ابن الجزري صحيح



#مقال:

المسألة:عزو ابن الجزري لابن الفحام صحيح واضح:

قال ابن الجزري رحمه الله تعالى :

 ".. وإنما رواه أبو القاسم ابن الفحام عن مدين عن أصحابه....عن أبي عمرو " اهـ ( 2/893).

قلت: كلام ابن الجزري رحمه الله في إدغام ( فلا يحزنك كفره ).

علّق الدكتور أيمن سويد حفظه الله بقوله : 

 "  طريق مدين بن شعيب الملقب بمردويه موجودة في التجريد لابن الفحام، ولكني لم أجد فيه ما عزاه الجزري له، ومظنته في الصفحات 215،216،223،584، وإنما وجدته في المستنير لابن سوار( 1/333) حيث قال:" وأظهر ( يحزنك كفرك ) إلا في رواية مدين، وأبي زيد من طريق الزهري فإنه أدغمه " اهـ .( بنصه:2/896 حاشية:1 ) .

قلت :

  هذه المسألة، وإن كان الدكتور حفظه الله، لم يخطّئ فيها ابن الجزري رحمه الله، إلا أني أحببتُ التعليق عليها لبيان " منهجية " مهمة عند ابن الجزري في تعامله مع كتاب التجريد لابن الفحام، لم ينتبه إليها الدكتور أيمن في مثيلاتها، والدليل على أنه لم ينتبه لهذه المنهجية هي قوله: " لم أجد فيه – التجريد – ما عزاه الجزري له"!

وأقول:

 ما عزاه ابن الجزري لابن الفحام موجود في التجريد، لكن يحتاج إلى انتباه شديد، وقبل أن أذكر صحة هذا الكلام أقدم هذه النصيحة لكل من يتعامل مع ابن الجزري في النشر، وهذه النصيحة هي :

 ضع أمام عينيك عبارة ابن الجزري في حق كتاب التجريد، وهي :

 " وكتابه التجريد من أشكل كتب القراءات حلاً ومعرفة، ولكني أوضحته في كتابي"التقييد في الخلف بين الشاطبية والتجريد" ومن وقف عليه أحاط بالكتاب علماً بيّناً " اهـ ( غاية النهاية : ترجمة ابن الفحام ) .

 فإمامٌ من كبار أئمة القراءات، وهو ابن الجزري، يقول هذا الكلام عن كتاب من كتب القراءات؛ لَدليلٌ واضح على " صعوبة " منهجية هذا الكتاب؛ مما جعل الإمام يؤلف فيه كتاباً خاصاً، وإني أسأل الله تعالى أن يتحفني في هذه الدنيا بالحصول على كتاب " التقييد " المذكور؛ وإن كنتُ أتوقع أن يكون ابن الجزري قد بثّه أو بعضه في كتابه النشر، والله أعلم .

 عود إلى المسألة :

 قلت : إن التجريد فيه الذي عزاه ابن الجزري له، خلافاً للدكتور أيمن، الذي لم يجده، والدليل على هذا :

 أن الإمام ابن الفحام رحمه الله في كتابه " التجريد " لم يذكر الإدغام لأبي عمرو البصري من روايتَي الدوري والسوسيّ، وهذا موجود في التجريد، وصرّح به ابن الجزري في قوله : 

" ومنهم من لم يذكره – الإدغام الكبير - عن السوسيّ ولا الدوريّ، بل ذكره عن غيرهما من أصحاب اليزيدي، وشجاع عن أبي عمرو، كصاحب «التجريد»" اهـ 

  وقال ابن الفحام ، بعد أن ذكر أسانيده للدوري، والسوسي مع تصريحه للسوسي بأنه بالإظهار والهمز، قال :

 " فصلٌ :إسناد رواية الإدغام " اهـ ( التجريد : 109) 

 فذكر رواية أبي حمدون عن اليزيدي، ومدين عن المعدّل عن أبي أيوب عن اليزيدي، وإبراهيم بن محمد وأخيه أحمد، عن اليزيدي"

ثم قال في باب الإدغام ، وهو الدليل عند ابن الجزري: 

 " والكاف تُدغم في مثلها، سواء تحرك ما قبلها أو سكن نحو " نسبحك كثيراً " و " إليك كما " اهـ ( التجريد : 146-147 )

فهذا النص واضح وصريح أن مدين روى الإدغام عن اليزيدي عن أبي عمرو في ( لا يحزنك كفره )، فإنه أعطى القاعدة ولم يستثن منها شيئاً، ولو كانت عنده بالإظهار لذكر استثناءها ؛ كما فعل شيخه الإمام الفارسي رحمه الله، حيث قال: " الكاف : ويدغمها في مثلها نحو ( كذلك كنتم – نسبحك كثيراً ) وما أشبه ذلك؛ إلا قوله ( فلا يحزنك كفره )" اهـ ( الجامع: 1/147 تحقيق الدكتور خالد أبو الجود ) .

وكذلك استثناها الإمام المعدّل رحمه الله؛ حيث قال: " ثم الكاف: كان يدغمها في مثلها تحرك ما قبلها أو سكن نحو ( نسبحك كثيراً -.... إليك كما أوحينا)، وأظهر ( فلا يحزنك كفره ) " اهـ ( الروضة : 1/ 431 تحقيق الدكتور خالد أبو الجود) . ونلاحظ المثالين عند ابن الفحام والمعدّل " نسبحك " و " إليك كما " .

 فاتضح من صنيع ابن الفحام أن " فلا يحزنك كفره" هي بالإدغام قولاً واحداً عن مدين، كما فهم ابن الجزري – وهو فهم صحيح موافق لكل كتب القراءات التي روت طريق مدين عن أبي عمرو . والله أعلم .

والله من وراء القصد

السالم الجكني

المدينة المنورة

الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

1:39 م

دفاع عن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله

دفاع عن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنزّه عن السهو والغفلة، والخطأ والنسيان، والصلاة والسلام على النبي الحق، الآمر الخلق بقول الحق واتباع الحق، صلاة وسلاماً دائمين كاملين إلى يوم قيام الناس للرب الحق.                             وبعد

 فقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه " الرسالة " أثناء حديثه عن مسألة " بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه " بآية من سورة النساء، جاءت مكتوبة في " اصل " المخطوط المعتمد عند محققه الشيخ أحمد بن محمد شاكر رحمه الله،  هكذا : " فآمنوا بالله ورسوله " هكذا بالتوحيد! مما جعل الشيخ المحقق يعلّق عليها بقوله:

" الآية التي ذكرها الشافعي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد، لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة، ووجه الخطأ من الشافعي أنه ذكر الآية بلفظ ( فآمنوا بالله ورسوله ) بإفراد لفظ ( الرسول ) وهكذا كتبت في أصل الربيع ..... وهو خلاف التلاوة ..... وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام من آية إلى آية أخرى حين التأليف " اهـ باختصار. الرسالة: 73-74 حاشية رقم: 8.

 قال العبد الضعيف:

 رأيت شيخين فاضلين، كتب كلٌّ واحد منهما كلاماً، أمّا:

 أحدهما فقد وصف تعليق الشيخ أحمد بأنه " اتهامٌ " منه للإمام الشافعي بالخطأ، وكان ( الأليق ) من الشيخ أحمد عدم الجزم بذلك.

وأمّا الآخر فمضمون كلامه: أنه لا ينتقد الشيخ أحمد شاكر في " تخطئته " للشافعي رحمه الله، وإنما ينتقده في " تخطئته " لفحول علماء الأمة، الذين وردت أسماؤهم في سماعات النسخة الخطية من الرسالة.

 ولما قرأتُ التعليقين المذكورين بتمعن، وجدتُ أن الشيخين المتعقبين، جزاهما الله كل خير، لم يأتيا بدليل علمي سالمِ من الاعتراض، في " رفع خطأ " التلاوة في الآية المذكورة في الكتاب المذكور، وبالتأكيد لا تنفك الملحوظة عن مؤلفه رحمه الله.

وسأذكر أولاً تعقيب الشيخ الفاضل، الذي وصف كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله بأنه " اتهام للإمام رحمه الله، فقرة ثم أعلق عليها بما تيسر، ثم أنتقل إلى الفقرة الأخرى في كلامه، وهكذا حتى تمام التعليقات، والله الموفق:

قال الشيخ الفاضل في كتابه " تفسير الإمام الشافعي"  بعد أن نقل تعليق الشيخ كله:

1-  " أقول: اتهام الإمام الشَّافِعِي رحمه الله بالخطأ في آية قرآنية ومتابعة فقهاء الشَّافِعِية له فيه قروناً عديدة في غاية البعد البعيد، وهذا قد يرد في حقِّنا وحقِّ أشباهنا، أما الشَّافِعِي فهيهات ثم هيهات؟؟!!! إنه الشَّافِعِي." اهـ  بنصه.

قال العبد الضعيف: 

 هذا كلام مبنيٌّ على الاحتمال العاطفي الوجداني، لا على الاحتمال العلمي المبني على الدليل؛ إذ ما المانع العقلي والشرعي أن " يخطئ " الإمام الشافعي رحمه الله، في تلاوة آية من كتاب الله تعالى، ثم يتبعه كل من جاء بعده!

وهل الإمام الشافعي رحمه الله، منزّه عن الخطأ في آية من كتاب الله!

ويكفي في الردّ على هذا الاعتراض، بما ورد في الصحيحين، عن أمّنا عائشة رضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ من الليل فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطت من سورة كذا وكذا".

وفي رواية للبخاري: "أسقطتهن".

ولمسلم أيضًا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد، فقال: رحمه الله، ‌لقد ‌أذكرني ‌آية كنت أُنسيتها".

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن نفسه الشريفة الكاملة هذا الكلام، فهل يصح أن ينزّه بعده أحدٌ من أمته، أو يدّعى له أنه لا يخطئ في كلمة أو حرف من كتاب الله تعالى!

 وأنقل هنا ما قاله الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله، عن الإمام الإسماعيلي رحمه الله: أمن ن النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين: 

أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ".

 والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} .

فأما القسم الأول، فعارضٌ سريع الزوال لظاهر قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} .

وأما الثاني، فداخل في قوله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها} على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همز.

ثم قال الإمام القاضي عياض رحمه الله: فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً، وأما نسيان ما قد بلَّغه كمسألتنا فجائز، ولا مطعن فيه، وقد قال عليه السلام: " إنى لأنسى أو أُنَسَّى لأسُن " (2)، وقد روى سهوه فى الصلاة وغير ذلك". اهـ.

وإذا ذهبنا إلى العلماء، فسنجد كثيراً منهم قد ذكروا في استدلالاتهم بآيات من القرآن الكريم، أنها جاءت مخالفة للتلاوة سهواً منهم رحمهم الله، وأكتفي بذكر مثالين أو ثلاثة:

الأول: الإمام ابن الجزري رحمه الله:

فقد وقع منه في كتابه " النشر في القراءات العشر " خطأٌ في تلاوة آية " وبشرى للمسلمين " ( سورة النحل ) حيث كتبها ( للمحسنين ) بدل ( للمسلمين ) وهذا منه هو رحمه الله، وليس من النساخ، بدليل إجماع النسخ المقروءة على المؤلف نفسه، والتي عليها خطه وبلاغاته ، بل وقراءته بعض مواضعها من لفظه .

وأيضاً جاء عنه في موضع ىخر: " ولقد آتيناهم " كذا في جميع النسخ، ولا يوجد هذا في القرآن الكريم، وما هو موجود في النسخ المطبوعة في الموضعين إنما هو من صنيع المراجع لا من صنيع المؤلف نفسه.

وأيضاً : إجماع كتب القراءات ، وهي تعدد مواضع ضم الهاء التي بعد ياء ساكنة في غير المفرد، كلها تذكر كلمة ( إليهما ) وليست توجد في كتاب الله تعالى.

الثاني: ما وقع للإمام أبي حيان في تفسيره، حيث فسّر كلمة ( زبراً ) في سورة الأنبياء، وهي ليست فيها، وترك تفسيرها في موضعها في سورة " المؤمنون "، مما يدل على أنه نسي عن التلاوة، والعجب أن السمين الحلبي تبعه في ذلك.

الثالث: ما وقع للإمام ابن جني رحمه الله، في " المحتسب " حيث سها في تلاوة قوله تعالى ( والذين معه أشداء على الكفار" فقال: إن نصب " أشداء " على الحال، أي محمد رسول الله والذين معه، ف ( معه ) خبرٌ عن ( الذين آمنوا ) .... الخ. قال الباقولي معقباً عليه:

" كله تخليط: حسب أن ( آمنوا ) بالتلاوة، وليس هناك ( آمنوا ) بتة " اهـ انظرك الاستدراكعلى أبي علي في الحجة: 615-619.

هذا، وقد أطلت في هذا ليتبيّن أن مكانة الشافعي رحمه الله، وغيره من علماء الأمة، ليست معصومة من الخطأ والنسيان، كما أوحت إليه عبارة الشيخ الفاضل.

2-  ثم قال المعترض أيضاً: 

" ويكفي في رد هذا الوهْم قول الربيع بن سليمان رحمه الله، قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفاً وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه" اهـ

قال العبد الضعيف: 

 عجيبٌ الاستدلال بهذا الكلام على عدم " خطأ " الشافعي في الكلمة! كل ما يدل عليه كلام الربيع هو أنه " كان يصحح  الرسالة "، وهذا لا يدل على أنه صحح هذا الموضع، بل العبارة صريحة في منطوقها ومفهومها أن في " الرسالة " أخطاء " صححت، لكن هذه النسخة التي بين أيدينا ليس فيها هذا التصحيح، ولهذا أقول عن هذا الاعتراض:

 إنه لا يلزم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ لأن نسخة الربيع نفسه، التي خطّها بيده، والتي أجاز لغيره نسخها، وهي التي اعتمدها الشيخ أحمد شاكر، ليس فيها تصحيح هذا الخطأ المذكور، وكون الربيع كان يصحح؛ قطعاً لم يصحح هذه النسخة، وبالتالي يبقى القول بخطأ الموجود فيها قائماً، غير منقوض بقوله إنه صحح الكتاب، فلعل التصحيح كان في نسخة أخرى لم تصل للشيخ أحمد شاكر رحمه الله. 

3-  قال الشيخ الفاضل المعترض:

 " وكان الأليق بالمحقق أن لا يجزم بتخطئة الإمام رحمه الله وفقهاء مذهبه والاكتفاء بردِّ هذا الخطأ إلى الناسخ كما هو حال أكثر المخطوطات" اهـ

قلت: الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، جزم بالتخطئة بالدليل العلمي المحسوس عنده، وهو النص الموجود في النسخة الأصل، مع عدم وجود التصحيح أو التعليق في النسخ الأخرى، والله أعلم.

أما اقتراح أن يرد هذا الخطأ إلى الناسخ، فقد أشار الشيخ أحمد شاكر نفسه إلى ذلك الاحتمال، لكنه تأكد عنده أنه ليس منه، حيث قال رحمه الله:" وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي " اهـ

4-  قال الشيخ الفاضل المعترض:

 " ولعل الآية التي تكلم فيها إمامُنا الشَّافِعِي رحمه الله هي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) والله أعلم وأحكم " اهـ

قلت: هذه المسألة ليست مما يقال فيها " لعل " إذ يصح للمخالف أن يقول: ولعله لم يرد ذلك.

وأيضاً: على التسليم بأنه يريد قوله تعالى :" آمنوا بالله ورسوله " فيكون أيضاً قد أخطأ بزيادة حرف " الفاء " إذ هو ليس في تلاوة هذه الآية، ولا يقال هنا إن أسلوب الإمام الشافعي حذف حروف الزيادة ؛ لأن منهجه هذا هو عندما تكون الكلمة مبتدئاً بها، أما هنا فهي في وسط استدلاله ومسبوقة بكلمة ( آمنوا )، والله تعالى أعلم.

أما الشيخ الفاضل، المعترض الثاني على كلام الشيخ أحمد شاكر حفظه الله فقد قال:  

 إنه " لم يجد أحداً تعقب الشيخ أحمد شاكر، غير تعليق واحد لأحد المغاربة – لم يصرح باسمه - ، وهو شرح صوتي، انتقد فيه الشيخ شاكر رحمه الله، وردّ تخطئته للشافعي رحمة الله عليه. " اهـ

قال العبد الضعيف: لم أطلع ولم أسمع هذا التسجيل الصوتي للشيخ المغربي، والناقل مؤتمن في نقله.

وأقول: 

الشيخ الفاضل، جزاه الله خيراً، كان أكثر دقة وأمانة علمية في نقده للشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ لأنه لم يستبعد خطأ الشافعي في آية قرآنية، وإنما انتقد على الشيخ شاكر " تخطئته لجميع فحول الإسلام وأئمة الدين من لدن الشافعي إلى يومنا هذا " اهـ 

ثم ذكر هذا الشيخ الفاضل الأئمة الذين قرؤا " الرسالة " بنسختيها: البغدادية والمصرية، وذكر منهم الربيع، والمزني، رحمهما الله تعالى.

أما الربيع فقد نقل كلامه السابق الذي ذكره المعترض الأول.

وأما المزني فنقل قوله:" منذ أربعين سنة وأنا أقرأ الرسالة وأنظر فيه، ويُقرأ علي، فما من مرة إلا استفدت فيه شيئاً لم أكن أحسنه، وفي رواية: قرأت الرسالة خمسين مرة" اهـ

ثم قال الشيخ المعترض:

" ولم أزل – منذ ذلك الحين – وأنا على قناعة تامة بعدم خطأ الشافعي رحمه الله، في هذه الآية، لا سيما عند من يعلم شيئاً عن القراءات، واختيار القراء، والأحرف السبعة، ومصاحف الصحابة، رضي الله عنهم قبل إجماع الصحابة على مصحف عثمان رضي الله عنه، وترك ما عداه، خاصة وأن الشافعي قريب العهد بالتابعين .....الخ.

ولما كان بحث هذا الشيخ الفاضل طويلاً، ارتأيت أن آخذ منه ما هو من صميم هذه المسألة، أعني أدلته التي استدل بها على تخطئة الشيخ أحمد شاكر في تخطئته للشافعي رحمه الله، وقد رأيتها كالتالي:

الدليل الأول: أن " فآمنوا بالله ورسوله " بالإفراد، هي قراءة شاذة، ذكرها الإمام العكبري رحمه الله في كتابه: إعراب شواذ القراءات" اهـ. والجواب عن هذه:

مصادر القراءات الشاذة اثنان:

الأول: كتب القراءات المسندة، التي روى أصحابها القراءات بأسانيدهم المتصلة إلى القراء، ومنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى الصحابة، كالكامل للهذلي، والجامع للروذباري، والمصباح لأبي الكرم الشهرزوري، والإقناع للأهوازي، والمفردات في القراءات، وغيرها كثير، ويدخل فيها كتب التفسير المسند كذلك.

فهذا النوع يصح، إن لم يجب، الجزم بصحة القراءة المذكورة فيه المنسوبة لصاحبها؛ لأنها عند أصحابها هي كتب " رواية " لا كتب " دراية ".

الثاني: كتب الشواذ، التي لم يلتزم أصحابها فيها الإسناد، بل اقتصروا على ذكر القراءات، منسوبة أو غير منسوبة، وهذه كثيرة ن ويدخل فيها كتب التفسير غير المسند، وكتب اللغة والأدب، بل وكتب توجيه القراءات، وهذا النوع لا يصح الجزم بصحة القراءة المذكورة فيها؛ لاحتمال أنها منقولة من مصادر لا يعرف عن إسنادها شي، والله أعلم.

 وهذا الكتاب المذكور، أعني كتاب الشيخ العكبري رحمه الله، هو من النوع الثاني، ولا ينفع الاعتماد عليه في هذه المسألة، فهو لم ينسبها لقارئ معيّن، ولا لمصر معيّن ، بل قال: " يُقرأ ( ورسوله ) على الإفراد " اهـ وهذا لا يصح في البحث العلمي لأن يكون دليلاً على إثبات هذه القراءة عن الشافعي أو عن غيره.

الدليل الثاني: الإمام أبا حاتم السجستاني رحمه الله:

 نقل عنه الشيخ الفاضل قوله: " عند أهل مكة في آخر النساء:" فآمنوا بالله ورسوله " وعند أهل البصرة " ورسله " اهـ.

قال العبد الضعيف:

هذا أقوى الأدلة – فيما رأيت – التي بنى عليها الشيخ الفاضل اعتراضه على تخطئة الشيخ أحمد شاكر، فقد بنى على كلام أبي حاتم السجستاني رحمه الله، أن هذه القراءة، أعني ( فآمنوا بالله ورسوله ) هي قراءة أهل مكة، موافقة لمصحفهم، لكنها أصبحت شاذة! وهنا يقال :

أولاً: من ذكر هذه القراءة عن مصحف أهل مكة، قبل الإمام أبي حاتم رحمه الله؟

ثانياً: ما هي المكانة العلمية التي لهذا المصحف المكي؟ من نسخه؟ ومتى نسخ؟ وعن أية نسخة نسخ؟

ثالثاً: اين أئمة المصاحف المهتمين بالمصحف العثماني والناقلينه عن هذا المصحف المذكور عند أبي حاتم؟ وأعني بلخصوص الإمامين الجليلين: نافعاً المدني، وأبا عبيد القاسم ابن سلّام؟ وكل من جاء بعدهما من أهل الاهتمام والرواية للمصاحف؟ 

نعم ذكر الإمام الداني رحمه الله، ذلك في المقنع، فقال:

" وقال أبو حاتم: في مصحف أهل مكة في آخر النساء ( فآمنوا بالله ورسوله )" اهـ :602.

لكن يلاحظ أن الداني ذكره مطلقاص من غير إسناد، خلافاً لعادته في كتابه.

وذكره الجعبري رحمه الله في منظومته " روضة الطرائف في رسم المصاحف " فقال:

   ( وَعَنْهُ فَزِدْ … فِي رُسْلِ خَتْمِ النِّسَا بِالخُلْفِ وَاكْتَمَلَا)

وعنه: أي عن المصحف المكي.

هذا، ولم يذكر الإمام الجعبري رحمه الله مصدره في هذه الزيادة، ولعله أخذها من ابن أبي حاتم السجستاني رحمه الله، أو من الداني في نقله لها عنه، أو من غيرهما، والله أعلم.

وعلى كلٍ: فزيادة الواو لم أجد من عزاها لغير أبي حاتم، الذي لم يعزها لأحد غير مصحف مكي وقف عليه، مخالفاً بذلك المصحف المكي المنقول إلينا بالأسانيد المتصلة عن الأئمة الثقات، الناصّين على أنه منقول من نسخة المصحف الإمام عثمان رضي الله عنه.

هذا ما يتعلق  برواية الكلمة من حيث رسم المصحف.

أما من حيث القراءة:

 هذه القراءة ( فآمنوا بالله ورسوله ): لم أقف عليها في كتب القراءات المسندة، التي تضم القراءات الشاذة، وخاصة التي ذكرت " طريق الإمام الشافعي " رحمه الله، كالكامل للهذلي، والجامع للروذباري، والجامع لأبي معشر، والمستنير لابن سوار، والمصباح لأبي الكرم:

فهذه الكتب لم تذكر هذه القراءة للشافعي، ولو كان الشافعي يقرأ بها عن ابن كثير لذكروها له، خاصة وأنه لا يُعرف له أي رواية إلا التي يرويها بالسند المذكور في كتب القراءات عن ابن كثير فقط، فليست للشافعي أي رواية عن أي قارئ آخر، فيما وقفت عليه من كتب القراءات التي عندي.

وأيضاً: لم أجد في كتب القراءات الشاذة، أو التفسير أو غيرها ممن نسب هذه القراءة للإمام الشافعي، حتى الإمام أبو حاتم السجستاني، الذي ذكر أن هذه القراءة في " مصحف أهل مكة " لم يذكر من قرأ بها منهم، لا الشافعي ولا غيره، والظنّ أن لو كان الشافعي قرأ بها؛ لذكر ذلك أبو حاتم، وهو ممن ألّف في القراءات ذلك الكتاب الكبير، والله أعلم.

نعم:

نسبت هذه القراءة لابن مناذر، وممن نسبها له: الكرماني في " شواذ القراءة لابن مناور ( كذا، وصوابه: مناذر)، ولم يذكر موطنه، أمكي أم مدني أم غير ذلك.

وهذا النقل منه غير كافِ، حتى وإن كان ذكر في مقدمة كتابه مصادره كالكامل واللوامح؛ لأنه لم يسند القراءة إلى كتاب معين، حتى نعرف هل هي مسندة فيه أم لا؟

نعم: من مصادره كتاب الكامل للهذلي، لكن ليست فيه هذه القراءة.

وذكرها صاحب " المغني في الشواذ " رحمه الله، فقال: ابن مناذر المدني: ( ورسوله ) على واحدة، بزيادة واو " اهـ.

وذكرها الشيخ المرندي رحمه الله، فقال:" قرأ ابن مناذر، والقارئ: ( ورسوله: بفتح الراء، وبالواو " اهـ

ونلاحظ أن أحداً لم يذكر أنها قراءة أهل مكة، بل التصريح بأن ابن مناذر من أهل المدينة، والمراد ب " القارئ " في نص المرندي هو الإمام أبو جعفر يزيد بن القعقاع .

ويؤيد أن هذه القراءة مروية عن ابن مناذر المدني، ما ذكره الإمام الروذباري، رحمه الله، حيث قال:

" ( ورسوله): بواو: محمد بن مناذر، وهو كذلك في بعض مصاحف المدينة القديمة " اهـ ( 2/479).

وفي قسم الأسانيد بيّن لنا من هو ابن مناذر، حيث جعله من أصحاب " الاختيارات " كأبي جعفر، وشيبة، ويعقوب وخلف، فقال رحمه الله:

" ذكر إسناد قراءة محمد بن مناذر المدني:

قرأت القرآن كله على الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن يزداد ( الأهوازي ) .......... على أبي ذريح محمد بن مناذر بن قيس بن معاوية بن عبد الله.

ثم قال الروذباري: 

وكان ابن مناذر مدنياً، ذا فهم بالعربية والشعر، وله شعر كثير، يعرف بالشاعر، وله حديث يرويه عن جماعة، وهو من المعدودين في القراءة المذكورين فيهم، قرأ على شيبة وغيره، وقرأ شيبة على مسلم بن جندب، وصالح بن خوات، وقرآ على زيد بن ثابت، على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: ومات – ابن مناذر – سنة ثلاث وخمسين ومئة في أيام المنصور." اهـ ( 1/691-692).

وأطلت هذا النقل للفوائد الكثيرة التي فيه، إذ هذا أوسع تعريف رأيته لابن مناذر رحمه الله، من جهة، ولبيان أن هذه القراءة منسوبة لأهل المدينة، لا لأهل مكة، والله أعلم.

وعليه أقول:

بعد هذا الذي كتبته، تأكد للعبد الضعيف، أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، معه الحق والصواب، في تعليقه وانتقاده للإمام الشافعي، ومن جاء بعده ممن قرأ " الرسالة " ولم يصحح الخطأ المذكور فيها، وأن رفع السهو عن الإمام الشافعي رحمه الله، في هذه المسألة، لا يساعده أي دليل علمي، لا من كتب القراءة، ولا من كتب الرسم المعتمدة.

واتضح لي أن الشيخين الفاضلين المعترضين على الشيخ احمد شاكر رحمهما الله: لم يقدّما الدليل العلمي الرافع لهذا السهو عنه رحمه الله، أعني الدليل السالم من الطعن والنقد.

رحم الله الإمام الشافعي، والشيخ أحمد شاكر، ونفعنا بعلمهما، وجمعنا معهم في الفردوس الأعلى، ووالدينا ومشايخنا، يارب العالمين.

كتب

السالم الجكني

المدينة المنورة


5:01 ص

الإبرازة الأولى للنشركتبت سنة 803 هج

  الإبرازة الأولى للنشركتبت سنة 803 هج



النشر في القراءات العشر أ.د.السالم الجكني





ذكرت قديماً لبعض الزملاء أن ابن الجزري رحمه الله، لم يُغيّر في كتابه النشر، لكن اتضح لي أن القول بهذا العموم غير سديد، وذلك ل:

نسخة النشر : التي وصلتنا، وفيها قراءة المؤلف نفسه بعضها بلفظه على ولديه أبي الخير وأبي الفتح وغيرهما وكتبت سنة ( ٨٠٣  هج) ، يظهر - إلى الآن - أنها الإخراج الأول لكتاب النشر، بدليل بعض الاختلافات من حيث النقص - إن لم يكن من الناسخ- وبوجود اختلاف كبير في " تعداد " الطرق عند ابن الجزري، على سبيل المثال:

1- عدد الطرق عن ابن بويان في المطبوع: ( 23) بينما في هذا النسخة( 19) .

2- مجموع طرق أبي نشيط في المطبوع( 34 ) بينما فيها ( 30).

3- مجموع طرق ابن أبي مهران عن الحلواني في المطبوع( 45 ) بينما فيها ( 31 )

4- مجموع طرق قالون من طريقيه في المطبوع( 83) بينما فيها( 65 ).

ملحوظة:

هذه الأعداد كتبها ابن الجزري نفسه، وليست من تعداد العبد الضعيف.

وهذا قمت - بحول الله وقوته إعادة دراسة وتحقيق النشر من خلالها، فهي نسخة لا ينبغي تركها، بل يجب الوقوف عليها والتأمل فيها، خاصة وأن عليها في مواضع كثيرة جداً عبارة:" بلغ سماع ابني أبي الفتح وأبي الخير من ( لفظي) "اهـ

والله أعلم.

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

6:26 ص

إمالة " آتيك " لحمزة: وليس تقليلها


بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن الجزري رحمه الله:
 " وأما ( أنا ءاتيك ) فأماله في الموضعين خلف في اختياره، وعن حمزة، واختُلف عن خلاد فيهما أيضا ، فروى الإمالة ... وابن غلبون في تذكرته وأبوه في إرشاده "اهـ
علّق الدكتور أيمن تعليقاً طويلاً بقوله:
" الذي في التذكرة هو ( إشمام الإمالة)؛ يعني التقليل وليس الإمالة المحضة ونصه: آتيك: قرأهما حمزة بالإمالة إشماماً، وفتحها الباقون" اهـ
قال – أيمن - : وكذلك الذي في الإرشاد، وقال في الاستكمال: حمزة وحده بالإمالة فيهما إشماماً، الباقون بالفتح" اهـ
ثم ختم تعليقه بقوله: " المقصودُ بقوله ( إشماماً ) الإمالةُ الصغرى) اهـ ( 3/1690-1691 حاشية رقم( 3 و 4 ).
قال العبد الضعيف :
ظهر من هذين التعليقين أن تفسيرَ عبارة ابني غلبون  " الإمالة إشماماً " هو من فَهْم الدكتور لها، وليس من تفسيرهما لها.
 وهنا وقفات مهمة:
الأولى : راجعت كل الكتب الأصول والأمهات في علم القراءات التي عندي ، ولم أرَ واحداً منها قال بأن لحمزة في " آتيك " التقليل ، ولا الإمالة الصغرى، أبداً، وهذه الكتب هي:
1-   المنتهى للخزاعي.
2-   الكامل للهذلي.
3-   الغاية لابن مهران.
4-   المبسوط لابن مهران.
5-   الإرشاد لأبي العز.
6-   الكفاية لأبي العز.
7-   المصباح لأبي الكرم.
8-   المبهج لسبط الخياط.
9-   الجامع للروذباري.
10-                   الروضة للمالكي.
11-                   الروضة للمعدّل.
12-                   التبصرة لمكي.
13-                   الهادي لابن سفيان.
14-                   التجريد لابن الفحام.
15-                   الجامع للفارسي.
16-                   الجامع للخياط.
17-                   المستنير لابن سوار.
18-                   الإيضاح للأندرابي.
19-                   بستان الهداة لابن الجندي.
20-                   العنوان للأنصاري.
21-                   الاختيار لسبط الخياط.
22-                   الكنز للواسطي.( مع ملاحظة أنه في باب الإمالة قال:( حمزة عن خلاد بالإمالة)اهـ وفي سورة النمل ذكر الإمالة لخلف واستثنى خلاداً، مما يؤكد أن العبارة في باب الإمالة تصحيف وصوابها- والله أعلم- ( حمزة ( غير ) خلاد، وليس حمزة ( عن ) والله أعلم.
23-                   شروح الشاطبية الموجودة  عندي كلها؛ السخاوي، والمنتجب، وابن سكن، وأبي شامة، والسمين الحلبي، والجعبري، والسيوطي، والعيني.
فهذه ( 29 ) تسعة وعشرون كتاباً، كلُّها نصّت على " الإمالة الكبرى" لحمزة، فكيف تُلغى رواية هؤلاء، ويقال إنّ القراءة لحمزة هي بالتقليل.!
الثانية:
 الذي جعل الدكتور أيمن يقول ذلك – والله أعلم – هو عبارة " الإمالة إشماماً " وهي عبارة صريحة - عنده - فيما ذهب إليه؛ لكنها عند التحقيق يتضح أنها ليست كذلك عند أول من قال بها – حسب علمي – وهو الإمام ابن مجاهد رحمه الله، كما سيأتي بعد قليل ، وبيان ذلك :
أولاً: أقْدمُ نصّ وقفتُ عليه ذكر هذه العبارة؛ أعني " الإمالة إشماماً " لحمزة هو ابن مجاهد رحمه الله، حيث قال:
" أمال حَمْزَة وَحده ( أنا ءاتيك بِهِ ) أَشمّ الْهمزَة شَيْئاً من الكسر من غير إشباع وَلم يملها غَيره" اهـ ( السبعة: 482).
ثم جاء بعده بعضُ الأئمة ونقلوا هذه العبارة إمّا نصّاً، وإما معنىً، ومنهم ابنا غلبون رحمهما الله، ومن جاء بعدهما كابن بلّيمة وصاحب كتاب" المفيد" المنسوب للحضرمي رحمهما الله.
وعبّر الإمام الأهوازي رحمه الله ، عن ذلك بقوله:" إمالة لطيفة " في كتابه" الوجيز" – وتبعه فيما يظهر – الإمام أبو معشر  الطبري رحمه الله، في " تلخيصه"-  وأما في كتابه – الأهوازي - الآخر" الموجز" فعبّر بالإمالة مطلقاً، إلا أن محققه رحمه الله كتب عبارة ( إمالة لطيفة ) وجعلها بين قوسين مما يدل على أنها ليست من صلبه، ولعله رحمه الله زادها من كتاب" الوجيز" وهذا فيه ما فيه، والله أعلم.
وقال الداني:
" أنا ءاتيك به في الموضعين في النمل: أمال فتحة الهمزة والألف بعدها فيهما حمزة في رواية خلف وأبي عمر ورجاء وأبي هشام وابن سعدان عن سليم عنه، وكذلك روى أبو عثمان الضرير عن أبي عمر عن الكسائي فيما حدّثني الفارسي عن أبي طاهر عنه، وأخلص الباقون فتح الهمزة والألف فيهما، وكذلك روى سليمان «3» الضبّي أداء عن رجاله عن حمزة.
وحدّثنا محمد بن أحمد قال: حدّثنا ابن مجاهد قال: أمال حمزة أنا ءاتيك به: أشمّ الهمزة شيئا من الكسر ولم يملها غيره "  ولم يميّز  ابن مجاهد رحمه الله الروايات عن سليم عن حمزة.
 وقد قرأت في رواية خلاد على ابن غلبون  بإشمام الإمالة،  والفتح هو الصحيح عنه، وهو الذي نصّ عليه الحلواني وغيره عنه، وكذلك روى سليمان «7» الضبّي عن رجاله عن حمزة. اهـ ( جامع البيان: 2/ 744) ط الشارقة.
الثالثة:
وأما قول الدكتور: " أسند مكي قراءة حمزة من روايتيه عن أبي الطيب وقال:" قرأ حمزة" أنا آتيك" في الموضعين بإمالة الهمزة، وكذلك قرأت على أبي الطيب، والذي عليه النصوص أن خلفاً وحده أماله وعن خلاد فيه اختلاف" اهـ
أقول – أيمن- :
  الظاهر أنه سقطت من التبصرة كلمة ( إشماماً ) بعد ذكره الإمالة في هذا الحرف، ولا أدري إن كان ذلك من مكي أو من النساخ، والمفروض إثباتها حتى يتفق قول مكي:" كذلك قرأت على الشيخ أبي الطيب مع نص الإرشاد المتقدم" اهـ
قال العبد الضعيف عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه والمسلمين:
 هذا الذ قال عنه الدكتور أنه " الظاهر" فيه نظر؛ بل هو خطأ لا يصح؛ لأن فيه إلغاء لقراءة صرّح بها مكّي نفسه أنه قرأ بها على شيخه؛ إذ لا يلزم أن يكون ابن غلبون أقرأ مكيّاً بما في كتابه " الإرشاد" فقد يكون أقرأه بالإمالة قبل أو بعد تأليفه للكتاب؛ خاصة أن مكياً – حسب اطلاعي القاصر – لم يصرّح باسم كتاب " الإرشاد " لشيخه ابن غلبون.
فاستظهار سقوط كلمة " إشماماً" منه إنما هو لنصرة رأي واجتهاد من قائله، في الشاهد ما يدل على بطلانه، وذلك بالأمور التالية:
1-   مكيّ نفسه، حيث قال في كتابه الكشف: " ومن ذلك ما تفرد بإمالته حمزة من ( أنا آتيك " أمال الألف ، وأمال الهمزة لكسرة التاء في الموضعين ليعمل اللسان عملاً واحداً في المتسفل، وقد روي عن خلاد الفتح فيه" اهـ فانظر إلى عبارته" أمال الألف" وعبارته " ليعمل اللسان عملاً واحداً؛ فلو كانت إمالة الهمزة إشماماً لما كان عمل اللسان فيها وفي الألف واحداً.
2-   الإمام ابن سفيان، وهو مثل مكيّ ، قرأ على أبي الطيّب وأسند عنه هذه القراءة، ومع هذا قال: " وأمال خلف عن حمزة الهمزة في الموضعين، وفتحهما خلاد، وبعض القراء يأخذ لخلاد بالإمالة" اهـ ( الهادي: 184 ).
3-   الإمام أبو بكر محمد ابن أبي القاسم الحمزي، تلميذ أبي الطيّب، وأسند عنه القراءات السبعة في كتابه، حيث قال: " وتفرد حمزة بإمالة آتيك في النمل " اهـ ( المجزي في القراءات السبع).
فانظر أخي الكريم:
هؤلاء ثلاثة أئمة ضابطون، تتلمذوا مباشرة على أبي الطيّب ، وأسندوا عنه قراءة حمزة في كتبهم، كلهم صرحوا ب" الإمالة " من قراءتهم عليه، ولم يقل أحد منهم كلمة " إشماماً " :
هبْ أنها سقطت من مكي في التبصرة؛ فهل سقطت على ابن سفيان والحمزي أيضاً !!
الرابعة:
 قال ابن الجزري:
" وأطلق الإمالة لحمزة بكماله ابن مجاهد" اهـ
علّق الدكتور أيمن بقوله:
" ولكنه – ابن مجاهد- ذكر أنها إمالة صغرى، ونصّه:" أمال حمزة وحده( آتيك) أشمّ الهمزة شيئاً من الكسر من غير إشباع" اهـ
قال العبد الضعيف:
 انظر – أيها المنصف الكريم- إلى هذا التحريف لكلام هذا الإمام ،فبالله عليك أين ذكر ابن مجاهد أن لحمزة الإمالة الصغرى!
 ابن مجاهد بريء من هذا التقوّل عليه، فليست الإمالة الصغرى عن حمزة في هذا الحرف إلا في فهم من قالها، وإلا فابن مجاهد بعيدٌ كل البعد عن نسبة التقليل لحمزة بما لم يروه عنه.
والدليل على بطلان القول إن ابن مجاهد يرى التقليل لحمزة؛ هو كلام ابن مجاهد نفسه، حيث قال:
 " " وأمال حَمْزَة {مِنْهُم تقاة} إشماما من غير مُبَالغَة" اهـ
فهذا نصٌّ واضح صريح من ابن مجاهد أنه يستعمل مصطلح" الإشمام " مع  " الإمالة " ويريد به الإمالة الكبرى، لا الصغرى؛ بدليل أنه لم ينقل أيُّ أحد أن لحمزة التقليل في " منهم تقاة"، ومنهم ابنا غلبون والداني؛ إذ كلهم صرحوا بالإمالة الكبرى.
وإن قال قائل: ما المانع أن يكون مراد ابن مجاهد هنا " التقليل "؟
فيقال له: المانع له هو قول ابن مجاهد نفسه في نهاية الترجمة :" ... غير أن نافعاً كانت قراءته بين الفتح والكسر" اهـ( 203-204)
 فهل بعد هذا يحق لأحد أن يقول : إن " الإمالة إشماماً عند ابن مجاهد هي التقليل، أو هي الإمالة الصغرى؟!
وأيضاُ فقد استعمل الداني مصطلح " الإشمام " في باب الإمالة، ويقصد به – والله أعلم – الإمالة الكبرى، ومن ذلك قوله:
 " وقال الأصبهاني عن ورش:" بلى: بإشمام الإضجاع؟ اهـ وقد بيّنه ابن الجزري بقوله في النشر:" وانفرد بإمالته أيضاً أبو الفرج النهرواني عن الأصبهاني عن ورش فخالف سائر الرواة عنه" اهـ وهذا نصّ صريح منه رحمه الله؛ إذ إنّ " التقليل " في ( بلى) ليس انفرادة عن ورش.
وقال الداني أيضاً:" ...عن أبي عمر عن إسماعيل عن نافع ( فتلقى آدم ) بإشمام الكسر قليلاً"اهـ
وقد بيّن ابن سوار في " المستنير" أن الدوري عن إسماعيل عن نافع :" إمالة جميع ما أمله حمزة إمالة لطيفة مثل الهدى " اهـ ويدخل فيه ( فتلقى والله أعلم. ( المستنير: 1/525) والله أعلم
 ضف إلى ذلك: أن أكبر شرّاح كلام ابن مجاهد، أعني الإمام أبا عليّ الفارسيّ رحمه الله، وكل من جاء بعده ممن له عناية بابن مجاهد، كمكي والداني وغيرهما لم يفسّر أحدٌ منهم عبارته بأ المراد بها" التقليل " وكفي بهذا دليلاً على براءته من القول بأنه " ذكر أنها إمالة صغرى" !
 ومما يؤكد هذا قول الإمام الهذلي رحمه الله:
 " وأمّا مراتبها في اللغات والطباع؛ فهي :
1-             إمالة مضجعة.
2-             وإلى الكسر أقرب.
3-             ومعتدلة بالسوية بين الفتح والكسر.
4-             وبين بين، وهو ما كان إلى الفتح أقرب. اهـ ( الكامل).
وكذلك بيّن الداني مراتب الفتح والإمالة في كتابه الجامع( 2/700 ط الشارقة).
الخامسة:
 قال ابن الجزري رحمه الله:
" وكذلك في التيسير وقال إنه يأخذ بالفتح" اهـ
علّق الدكتور أيمن تعليقاً طويلاً، بيّنتُ بطلانه فيما سبق قبل قليل، ثم ختمه بقوله:
" الخلاصة: الذي أُراه – والله أعلم – أن يؤخذ من طريق التيسير لخلف بالإمالة إشماماً وهي التقليل في ( آتيك ) وبالفتح لخلاد وجهاً واحداً على ما تقدّم بيانه، وما قيل عن التيسير يقال عن الشاطبية، فطريقهما واحدة والله أعلم" اهـ ( 3/1692-1693)!
انظر أخي القارئ المحقق المدقق إلى خطورة الاجتهاد الصُّحُفيّ، وإلى ما يؤدّيه ( عدم ) إنزال نصوص العلماء منزلتها، وانظر إلى الحكم قبل الاستقراء، ودراسة مناهج المؤلفين!
أما:
1-   هذا الذي رءاه الدكتور فحسب علمي القاصر لم يقل به أحد قبله ، وها هي كتب الأئمة الموثوق بروايتهم ودرايتهم منذ سنة ( 300هـ) إلى سنة( 1440هـ ) لا يوجد كتاب منها قال :" إن لخلف – في الطرق المقروءة التي وصلتنا بالتواتر – التقليلَ في ( آتيك ) !
وإني لأعجب من الدكتور حفظه الله، وهو يقرر هذا : ألم يقف مع نفسه أو قلمه قليلاً وهو يقرّر هذا التقرير، الذي خرج به عن إجماع أهل الرواية والدراية!؟
ألم يقف قليلاً ليتّهم قلمه بالتسرع، ويزن عبارته التي خرج بها حتى عن شيوخه الذين قال إنه قرأ عليهم ، وأسند عنهم القراءات!
هل وجد الدكتور كتاباً واحداً صرّح بالتقليل لخلف!؟ والدكتور حسب ما أخبرني هو نفسه أن لديه جلّ مخطوطات القراءات، غير ما هو مفقود!
 وهل رأى الدكتور أحداً من أهل التحريرات قال بأن لخلف التقليل!؟
2-   أما قوله " ما قيل عن التيسير يقال عن الشاطبية فطريقهما واحدة" : المنصف يعلم أن هذا الكلام فيه ما فيه، وأقلّ ما فيه أنه إلغاء لما قرأ به إماما النقل والرواية والدراية ؛ أعني الداني والشاطبي وإلزامهما بفهم الدكتور الذي ليس هو من أهل الرواية أصالة.
الخلاصة:
1-    تسعة وعشرون كتاباً ليس فيه التقليل.
2-   -                    ثلاثة من تلاميذ ابن غلبون صرحوا بالإمالة
3-                    عبارة ابن مجاهد واستخدامه الإمالة إشماماً.
4-                     تقسيم الهذلي والداني للإمالة
5-               مخالفة الدكتور لكل أهل الرواية والدراية.

والله تعالى أعلم.
السالم الجكني
المدينة المنورة
الإثنين:23/6/1441هـ




























يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Powered By Blogger

Translate

التصنيفات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *